الجزائر..تنوع ثقافي يوحده الدين
تحظى الجزائر بمساحة شاسعة تتعدد فيها العادات والتقاليد ،وتتنوع فيها الثقافات. فعمق التاريخ وتعدد الحضارات التي توالت على الجزائر جعلتها من أكثر الدول تنوعا اثنيا وثقافيا . ورغم الاختلافات التي تتخلل نسيجها الاجتماعي،الا أن هذا التنوع بزخمه ،يجد له روابط وثيقة مع باقي الشعوب العربية والإسلامية التي يجمعنا معها الدين ومظاهره من مواسم وأعياد ،من بينها شهر رمضان المعظم.
ويعتبر شهر رمضان في الجزائر فرصة لإعادة شحن النفوس روحيا ،وذلك برفع مؤشر الإيمان إلى أعلى درجاته.حيث تلتزم العائلات بإقامة شعائر الصيام على أحسن وجه، مرفوقة بصالح الأعمال من صلة للأرحام والتراحم والتكافل والصدقات.
كيف يستقبل الجزائريون شهر رمضان ؟
رمضان..فرصة لطلاء البيوت و تطهير النفوس
تحرص العائلات الجزائرية على استقبال الشهر الفضيل بحلة بيضاء ،فتقوم بطلاء باحات وجدران بيوتها، ليستقر ضيف الرحمن رمضان في بيوت بيضاء كرمزية إلى الطهر والنقاء والتجديد الذي يليق بمقام شهر العتق من النار.ولا يقتصر التجديد والتنظيف على البيوت فحسب، بل تحرص بعض العائلات الجزائرية على تخصيص يوم للذهاب إلى الحمام وعقد النية على التطهر من جميع الآثام واستقبال رمضان بأجساد وارواح طاهرة ،اذ يعتقدون بـ”وجوب الدخول لرمضان بطهر روحي وجسدي كبيرين”.
(الوزيعة) في القرى والمد اشر
من العادات التي مازالت منتشرة في المجتمع الجزائري عادة الوزيعة .والمنتشرة خصوصا في الشرق الجزائري ،حيث يشترك سكان القرية او الحي في ذبح عجول تقسم بشكل متساو. ثم يحرص الرجال على توزيع اللحوم يوما قبل رمضان على كل عائلات المنطقة، دون التمييز بين الميسور والمحتاج ..طريقة حكيمة تحفظ كرامة المعوزين، وتجسد واحدة من أجمل قيم التكافل الاجتماعي في الشهر الفضيل.
رمضان يلم شتات العائلات ويجمع صلة الأرحام
يطلق مصطلح اللمة على حالة اجتماع أفراد العائلة الكبيرة.سواء مواسم الأفراح او المناسبات الدينية او غيرها ، وقد دأبت العائلات الجزائرية على الاجتماع على طاولة واحدة خلال رمضان ،والإفطار على اللبن والتمر اقتداءا بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
كما يكثر التزاور بين العائلات بعد الإفطار، والسهر حول صينية الشاي والقهوة والحلويات التقليدية، ما يمنح السهرة نكهة خاصة تجعلها تختلف عن غيرها من سهرات الأيام العادية الأخرى. ويطلق في العاصمة على هذه السهرات الرمضانية مصطلح (القعدة )بمعنى الجلسة،و يتم تبادل (البوقالات) خلالها وهي عبارة عن حكم ومأثورات شعبية تتداولها النساء وتحمل في طياتها نظرة تفاؤلية.
وتجتمع العائلات في الجنوب الجزائري بعد صلاة التراويح في سهرات عائلية ،يكون فيها الشاي المطهو على الجمر سيد السهرة ،التي لا تكتمل إلا بترديد الرجال والسيدات التارقيات لأهازيج نابعة من أصالة وثقافة هذا المجتمع. و عادة ما يتلى في هذه السهرات العائلية الرمضانية القرآن الكريم أو يُستمتع فيها لنوع من المديح يدعى بـ “الخوميسة”. وهو نوع من الغناء التقليدي الذي يردد بدون استعمال آلات الطرب.وتعودت العائلات على قضاء السهرة عند أحد الجيران أو الأقارب و تتكفل إحدى النساء بدعوة الجيران إلى بيتها في كل سهرة.
تزايد الاقبال على المساجد
تمتلئ المساجد عن اخرها في رمضان الكريم بالمصلين الذين يؤدون الصلاة وصلاة التراويح وتلاوة القران ..كما يستمعون إلى دروس فقهية .
وتحرص العائلات على الخروج لأداء صلاة التراويح سوية حتى تزيد الألفة بينهم ..كما عهدت المساجد والمدارس القرآنية على إقامة مسابقات لحفظ القران اضافة الى الاحتفالات الدينية التي تمتد الى ليلة القدر المباركة ،حيث يتم تكريم حفظة القران الكريم ..وتحظى ليلة القدر باهتمام بالغ عند الجزائريين والمسلمين عموما .
حين يصوم الطفل الجزائري لأول مرة
يحظى الأطفال الذين يصومون لأول مرة باهتمام خاص، فهناك من تقام لهم احتفالات و يكافئون بالهدايا تشجيعاً لهم وترغيباً في الشهر الكريم، ويحظون طوال الشهر برعاية خاصة من أجل دفعهم للمواظبة على أداء فريضة الصيام. وتعتبر العائلات الجزائرية صوم أبنائها لأول مرة انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ.
ويتم إفطار الطفل الصائم لأول مرة بجرعة ماء مخلوطة بماء الزهر، وبعدها تعطى له حبّة تمرٍ واحدة.
وتختلف عموما طريقة الاحتفال بصيام الأطفال لأول مرة من منطقة إلى أخرى .حيث تصل إلى حد ذبح الخرفان وإقامة وليمة يُدعى لها الأهل والأقارب في ولايات الجنوب الجزائري.
في منطقة سطيف يفطر الطفل الصائم لأول مرة بكاس حليب توضع فيه قطعة ذهبية تكون هدية له.
اما منطقة القبائل فقد اعتادوا على إفطار أطفالهم على أسطح المنازل تعبيرا عن بلوغ طفلهم مرحلة النضج والسمو.
كما يتميز صوم الأطفال في البليدة ،بإلباس البنات لباسا تقليديا ،تصعد به درجات سلم خشبي ما استطاعت ،الى ان تجلس على احدى الدرجات ،وتلزم كل درجة ارتقتها الطفلة بصيام يوم، ثم يحضر لها كاس من الشربات يمزج بماء الزهر المقطر والقرفة والسكر ، ويوضع في داخل الكأس خاتم أو قطعة ذهبية « اللويزة « . ويرمز صعود السلم إلى الارتقاء بإيمان البنت ،أما الذهب دليل على نفاسة الإسلام والمشروب حلاوة الدين .وتتم دعوة الجيران والأهل لتتصدر الصغيرة مائدة مزينة بألذ وأبهى الحلويات التقليدية. ثم تخضب أيادي الصغيرة بالحناء على صوت النسوة يرددن تهليل « محمد محمد صلوا يا الأمة عليه سيدنا وحبيبنا و يربح من صلى عليه « …
هي عادات وتقاليد متوارثة تتماشى مع قناعات روحية ومجتمعية تحاكي روحانيات شهر الرحمة والغفران، حرصت الأجيال على توريثها جيلا بعد جيل ،بعضها مازالت قائمة والبعض الأخر أصبحت في طي النسيان . .