ساهمت الثورة التكنولوجية والاختراعات الرقمية التي رافقت القرن العشرين في ظهور ثورات اجتماعية اكثر فتكا بالثورات التقليدية والتي يدق المختصون ناقوس الخطر لدراستها والعمل على ايجاد حلول جذرية لها قبل ان تفتك بالعقل البشري الذي ابتكرها وتصيبه بالشلل والقصور ولربما العجز التام لاسيما ونحن مقبلون على عصر الروبوتات والالات الرقمية
ويشابه التعاطي المشوّه مع التقنيات الرقمية الحديثة إلى حدّ كبير المخدرات التقليدية،التي كان يتم التعاطي معها في شكل مُستتر لما تلاقيه من رفض اجتماعي وأخلاقي ورسمي، وحتى قانوني، وآثارها السلبية والتخريبية قريبة المدى، بينما لا تلاقي التقنيات الحديثة نفس الرفض الرسمي ولا الاجتماعي، كما ان آثارها السلبية بعيدة المدى، لا تظهر مباشرة في حياة الشخص أو المجتمع، وإنما تكمن سمومها كالسرطان داخل التكوين النفسي والفكري للشخص، ما يحمل معه آثاراً بالغة الخطورة في علاقته بمحيطه الاجتماعي لاحقاً من خلال ما غزا بنيته النفسية والفكرية من معتقدات ومفاهيم.
لكنّ الأشد خطورة يقع في حيّز الإنترنت الذي يأخذ الكبار قبل الصغار إلى دروب وعرة، لا سيما أنه أصبح في متناول اليد من طريق الهواتف الخلوية والذكية، وبالتالي فإن الخطر يزداد يوماً بعد يوم وبنسب مرتفعة ومخيفة.
وتشير التقارير والتحقيقات الصحافية إلى اختراقات متعددة الاتجاهات لخصوصية الفرد أو المجتمع عبر مختلف تقنيات التكنولوجيا، والتي تكشف أن استهلاك المخدرات لم يعد مُقتصراً على حقنها في الوريد أو بمضغها أو شمها أو تدخينها، وإنما تطور الفكر الإنساني ليُحوّل نُظُم التعاطي إلى تعاطٍ إلكتروني أو رقمي يُحدث التأثير عينه الذي تحدثه المخدرات الطبيعية أو التقليدية الأخرى،
ماهي المخدرات الرقمية ؟
المخدرات الرقمية عبارة عن مقاطع تحتوي على ترددات صوتية يتم سماعها باستخدام سماعات الاذن ، حيث تنقل ترددات إلى الدماغ، تسبب شعورا بالنشوة أو الاسترخاء أو حتى الهلوسة، مما يجعلها مشابهة لتأثير المخدرات التقليدية.يستقبل الدماغ هذه هذه الموجات غير مالوفة فيحاول العمل على توحيدها في الاذنين في شكل طبيعي لكنه يتعثر في ذلك ويصبح غير مستقر كهربائيا ما ينتج عنه الاحساس بسماع صوت ثالث وهو ما يدعى بالخداع السمعي فيؤثر هذا التفاعل على موجات الدماغ مما يؤدي الى تغيير في الحالة المزاجية والاحساس ويؤكد المختصون ان هذه الترددات نوع من انواع المخدرات التي توجد على النت على شكل موسيقى تستخدم للوصول للنشوة او السعادة او حتى فقدان الوعي تماما مثلما تعمل المخدرات الكيميائية التقليدية التي تحفز الشعور بالنشوة بسماع صوت ثالث، وهو ما يُدعى بالخداع السمعي
ويقول المختصون ان هذه المقاطع الموسيقية لا تأثير لها وتعتبر موسيقى عادية إذا لم تسمع عبر سماعات الأذن، ولكن عند استخدام السماعات يوجد تباين أو اختلاف أو تأخير لحظي بين وصول الموسيقى للأذن اليمنى والأذن اليسرى، هذا الاختلاف بين الترددات يؤدي إلى عدم الاتزان في المخ بسبب تضارب وصول النغمة لقشرة المخ، ونتيجة عدم الاتزان ذلك ينتج عنه تدمير البروتين الخاص بالمخ وإفراز “الدوبامين” الخاص بالسعادة”.
ومع زيادة الاستماع لتلك المقاطع الموسيقية، يبدأ المتعاطي في رؤية أشياء والاستماع إلى أصوات لا أحد غيره يراها أو يسمعها، وفي بعض الأحيان يشم روائح أو يشعر بأن شخصا ما يلمس جسده.. كل هذا الأعراض تعتبر هلاوس سمعية وبصريةوحساسية
كيفية الحصول على المخدرات الرقمية ؟
يتم تحميل هذه الموسيقى عبر موقع غوغل، والتي تصل تكلفتها إلى 5 دولار للمقطع الموسيقي الواحد، مع العلم أنها بدون رسوم
إذاً، هي عبارة عن نغمات موسيقية محمولة على أقراص مُدمجة (MP3) أو على أسطوانات مختلفة يمكن الحصول عليها بسهولة من مواقع خاصة عبر «الإنترنت» وتحميلها على أي جهاز «موبايل» أو حاسوب شخصي والاستماع إليها ليحدث التفاعل المطلوب والشبيه بمفعول المخدرات التقليدية وتأثيرها في صورة تشابه تلك التي يتم بها التعاطي التقليدي للكوكايين واقعياً. هنا يتمّ التحكّم في الحالة النفسية للمستمع من خلال هذه الترددات التي أطلق عليها مروّجو هذا النوع من المخدرات أسماء من مثل «عيش الجو»، «حلّق في السماء»، «المتعة في الموسيقى»، وبعضها يروّج على أنه لأجل إنقاص الوزن.
ولا تحتاج هذه الملفات سوى إلى جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي والانزواء في غرفة مقفلة الأبواب والنوافذ، ومن ثمّ التمدد على السرير وعصب العينين والانطلاق بعد ذلك في رحلة المتعة والاسترخاء التي ستقود إلى الضياع.
متى ظهرت المخدرات الرقمية ؟
نشأت «المخدرات الرقمية» على يدي العالم الألماني الفيزيائي هينريش دوف عام 1839، واستخدمت للمرة الأولى عام 1970 لعلاج حالات نفسية، لشريحة من المصابين بالاكتئاب الخفيف في حالة المرضى الذين يرفضون العلاج السلوكي (الأدوية)، ولهذا تمّ العلاج من طريق تذبذبات كهرومغناطيسية، لإفراز مواد منشّطة للمزاج. غير أن خطورة هذا الاكتشاف اليوم، تتمثّل في أن هذه التقنية – المخدرات لم تعد مُقتصرة على الأطباء والإختصاصيين، بل باتت في متناول الجميع ومن مختلف الأعمار والشرائح والفئات، وبلا رقيب أو رادع. كما نشأت مواقع متخصصة تبيع هذه النغمات على مواقع الإنترنت، وتروّج عبر مواقع التواصل الإجتماعي مقابل القليل من الدولارات، حيث يعتمد المروجون أساليب جذب متنوّعة تبدأ بالتحميل المجاني بعيّنة تجريبية، وحين يستغرق المستخدم فيها يكون أمام حتمية الشراء. لكن الخطورة الأفظع فيها، أنها خالية من مواد كيماوية مؤثّرة كالتي في التقليدية، وأنها بدأت تنتشر على مواقع الـ»يوتيوب».
ولا يزال تداول هذا النوع من «المخدرات» حديثاً نسبياً في عالمنا العربي، على رغم انتشاره في أوروبا منذ أعوام، وقد حذرت منه بلدان عربية عدة، أولها لبنان (لعبة مريم والحوت الأزرق وقصة الطفلة اللبنانية التي حاولت الانتحار مرات)، بعد انتشاره بين شبابها، .
أما في الغرب، فإن نسبة الانتشار كبيرة، لكنلا توجد إحصاءات دقيقة بهذا الشأن، والسبب يعود ربما إلى قبولها في المجتمع أو اعتبارها طبيعية وعادية من حيث التعامل مع تقنيات التكنولوجيا من قبل الناس عموماً والشباب خصوصاً.
لا شكّ في أن الأسباب الداعية لانتشار هذا النوع من المخدرات أو حتى الاستغراق في عموم وسائل التواصل والتكنولوجيا، هي ذاتها القابعة وراء المخدرات التقليدية وكذلك لها الآثار السلبية ذاتها. لذا، فإن علاجها يبدأ من الوقاية القائمة على متابعة الأبناء فيما يتعاملون معه من تقنيات ومواقع. لكن هناك إجراءات رسمية وحكومية من الضروري اتخاذها كسنّ قانون دولي لتجريم استخدام هذه المخدرات وإدراجها تحت خانة جرائم الاتجار بالبشر. إضافة إلى استيعاب طاقات الشباب، وتشجيعهم على الاندماج في الأنشطة الإجتماعية والرياضية في شكل إيجابي، مع العمل لبناء روابط إنسانية معهم، لا سيما في فترة المراهقة، بما يضمن مصارحة الأبناء الأهل بتجاربهم غير الآمنة من دون خوف من العقاب، ما يمنحهم شعوراً بتقدير الذات.


