مسجد سيدي غانم، قصة 13 قرنا من الصمود
الجزائر مهد الحضارات
تعرف الجزائر بإرثها الثقافي و تاريخها العميق، كيف لا و هي التي شهدت تعاقب الحضارات و الامبراطورياّت من الإمبراطورية القرطاجيّة الى الممالك النوميديّة، مرورا ب حضارات الفينيق والوندال والبيزنطيين، الى أن سطع فيها نور الإسلام الذي جاء بعد الفتح الإسلامي على يد البطل عقبة بن نافع.
خلّفت الحضارة الإسلامية في الجزائر العديد من الاثار المعمارية المصنفة ضمن التراث العالمي. و توجد بالجزائر اليوم الكثير من المساجد و دور العبادة التي يعود تاريخها الى قرون خلت . و من بينها أول مسجد بني في الجزائر الإسلامية . نتعرف عليه فيما ياتي :
مسجد سيدي غانم..النواة الاولى لنشر الاسلام في الجزائر
هناك في مدينة ميلة شرق الجزائر. يقع أوّل مسجد بني في البلاد . يعود تاريخ تشييده الى عام 59 هجريا الموافق ل 678 ميلاديا على يد أبو المهاجر دينارالأنصاري .وذلك عقب فتحه للمدينة التي كانت تحت وطأة الاحتلال البيزنطي .
و ورد في موسوعة التّاريخ الاسلاميّ-فتح شمال افريقيّا.‘‘ أنّ معاوية بن ابي سفيان عزل عقبة بن نافع و ولى مكانه أبا المهاجر دينار الذي رأى أنه ما يناسب سكان شمال افريقيا التعامل بالليونة لا الخشونة. و حسب الموسوعة، نجحت سياسة أبو دينار في اجتذاب الأمازيغ الى الإسلام .خاصة بعدما أظهر تسامحا كبيرا مع زعيمهم بن لمزم الذي أسلم لاحقا.
و جعل الصحابيّ أبو المهاجر دينار مدينة ميلة مركزا للقيادة و منطلقا لفتوحاته الاسلاميّة. و كان المسجد الذي عرف بعدها بسيدي غانم النواة الأولى لنشر الإسلام في الجزائر.
وصنف المؤرخون المسجد على أنه الأقدم في منطقة المغرب العربي بعد مسجد القيروان.وقد نسبت تسميته الى أحد الأئمة الصالحين من أهل العلم والمعرفة حسب أهل المنطقة.
هندسة المسجد
يتخذ المسجد شكلا مستطيلا يتربع على مساحة 820 مترا مربعا. و هو مبنى من طابقين . يحتوي على اربع واجهات. الرّئيسيّة تقع في الجهة الشّرقية و تطل على حيّز فسيح . و أمّا المدخل الرّئيسي فيتوسط المسجد مؤديا الى بيت الصلاة.
يضم المسجد برجين يمثلان الملاحق الجنوبية و الشمالية.كما أنه يحتوي على منارة كان بها 365 درجا على عدد أيام السنة، يبلغ علوها 62 مترا ما يعادل 20 طابقا من البنايات الحديثة. عن طابعه المعماريّ،يقول علماء الاثار و التاريخ أنه يشبه مسجد القيروان بتونس و المسجد الأموي بسوريا.
حقد الاستعمار
قاوم مسجد ابي دينار العوامل الطّبيعية و طول الزمن.غير أنه تعرض للطمس و التشويه عقب الاحتلال الفرنسي للجزائر. فقد عمدت فرنسا الاستعمارية الى طمس الهوية الإسلامية للشعب الجزائري. فراحت تهدم المساجد و تحولها الى كنائس، و هذا ما حدث لمسجد سيدي غانم فقد كسرت منارة المسجد و بنيت بحجارتها كنيسة وسط المدينة .كما خصص الاحتلال القسم العلوي من المسجد كمرتع لجنوده. القسم السفلي من المسجد اصبح اسطبلا للخنازير و الأحصنة. وتم تحويل دار الامارة التي بناها الفاتح أبو المهاجر الى مطبخ للجنود.
رغم كل هذا، ظل المسجد العريق صامدا يأبى الا ان يشهد على تاريخ الجزائر. و قد عرف بعد الاستقلال عمليات ترميم من طرف وزارة الثقافة في محاولة رد الاعتبار لهذا الصرح الثقافي القيم.
المسجد يحتاج للصيانة حفاظا على ما تبقى
على الرغم من عمليات الترميم التي قامت بها السلطات الجزائرية في المسجد عقب الاحتلال.غير أنه بات اليوم بحاجة الى صيانة شاملة تقوم بها مؤسسة محترفة .للحفاظ على ما تبقى من هيكله المشكل من الأعمدة و الأقواس الجدران.فهو لم يأخذ حقه من الترميم. حسب الباحث في التاريخ الجزائريّ نور الدين بوعروج.
من جهته، قال حسن صديقي رئيس جمعيّة تواصل للسياحة و مقرها ميلة .ان;مسجد سيدي غانم كان يستقطب أعدادا معتبرة من الزوار من مختلف اقطار البلاد قبل تفشي وباء كورونا .و أضاف أنه في ظل الوباء تراجع عدد الزّوار بشكل كبير، و يأمل أن يتحسن الوضع و يعود عشاق التراث و التاريخ الى ميلة و مسجدها.