يناير بين الحقيقة والأسطورة
يناير في الجزائر
أصبح للاحتفال بيناير في دول شمال افريقيا عموما وفي الجزائر بالتحديد وقعا خاصا مقارنة بالسنوات الماضية.لاسيما بعد أن أصبح 12 جانفي عطلة رسمية منذ2018،حيث أصبحت مظاهر الاحتفال جلية سواءا في الأحياء أوالأسواق أين يتنافس الباعة في بيع الحلويات ،أو ما يعرف بالتراز. والبدلات التقليدية التي يتزين بها العامة والخاصة احتفاءا بهذه المناسبة ..لكن ما حقيقة يناير؟ وهل مظاهر الاحتفال هذه تنبع من قناعة أصحابها بانتمائهم الثقافي أم انه مجرد موجة يركبونها لاضفاء الحيوية وإرساء هوية ثقافية قد لا يعلم حتى ما أصلها؟
يناير بين التقويم الزراعي وششنق؟!
يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ يوم 13 يناير، وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي فرضه يوليوس قيصر سنة 46 ق. م،ويتكون من 365.25 يوماً موزععة على 12 شهراً) وكان سائدا شمال أفريقيا خلال فترة الهيمنة الرومانية.
ويوافق “يناير” بداية ما يعرف باسم “الليالي السود” التي تدوم 20 يوما، وهي من الفترات التي تسجل انخفاضا قياسيا في درجات الحرارة ويسود اعتقاد انتشار الأمراض فيها !
اذا ما تأملنا في عدد سنين 2972..نفهم ان االتقويم الأمازيغي أقدم من الهجري والميلادي ،حيث أنه يسبق التقويم الميلادي ب950 سنة ، أي أنها تبدأ سنة 950 قبل الميلاد .السنة التي جلس فيها الفرعون ششنق الأول على عرش مصر.
رمسيس أم ششنق؟
يقال أن الملك الامازيغي الأصل ششنق هزم رمسيس الثالث في معركة حاسمة بمنطقة الرمشي، قرب مدينة تلمسان بغرب القطر الجزائري الحالي ،. وأن عاصمة ششنق هي تافرسة على مسافة 60 كيلو متر من تلمسان.” ومعنى هذا أن رمسيس غزا المغرب العربي ووصل تلمسان، فتصدى له ششنق وساقه على مسافة أكثر من 4000 كيلو متر حتى وصل الى مصر الفرعونية فجلس على عرشها. والحقيقة تقول أن رمسيس سبق ششنق بأكثر من قرنين، فقد حكم رمسيس الثالث سنة 1183 قبل الميلاد، بينما حكم ششنق الأول سنة 950 ق. م( 1).
القصة الحقيقية لششنق
حسب رواية المؤرخ المصري رشيد الناضوري .فان ششنق ينتمي إلى قبيلة الشواش التي كانت مقيمة على شط (البحيرة) الجريد بالقطر التونسي الحالي. ساد الجفاف المنطقة فهاجرت القبيلة إلى دلتا النيل واستوطنت هناك .استقرت القبيلة الليبية البربرية في اهناسيا بالفيوم المصرية وتمكن أفراد منها من تقلد وظائف هامة في هذا الإقليم حتى ظهرت شخصية قوية فيها هو شخصية ششنق الأول. وقد تمكن من الوصول إلى عرش مصر، وتأسيس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين وذلك سنة 950 قبل الميلاد. وكان قبل وصوله للعرش يحمل لقب رئيس المشاوش العظيم وهي تسمية ترجع في أصلها إلى منطقة شط الجريد جنوبي تونس. وقد دعم ششنق مركزه في حكم البلاد بتزويج ابنه من ابنة آخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين المصرية في تانيس. وبهذه الطريقة أوجد لأسرته حقا شرعيا في الوصول إلى عرش الفراعنة. ولم تكن كل من الأسرتين الليبيتين في تاريخ مصر القديم الثانية والعشرين والثالثة والعشرين أجنبية بمعنى الكلمة، بل تأثرت هذه العناصر البربرية بالحضارة المصرية المتفوقة في ذلك الوقت بالنسبة إليهم، مع الاحتفاظ ببعض العادات البربرية”[1] واستمرت أسرة ششنق الأمازيغية تحكم مصر الفرعونية أكثر من قرنين على رأس الأسرتين 22 و 23 ، وبعض المؤرخين يذهب إلى الأسرة الرابعة والعشرين أيضا. يقول المؤرخ الأمريكي وليام لانغر: “ششنق أحد رؤساء الليبيين الذين قاموا بدور هام منذ زمن في الدلتا. ، أصبح الأمراء الليبيون كهنة لأمون بطيبة”[2].
حقيقة يناير بين الطقوس والتأريخ
يناير هو عيد للفلاحة في دول شمال افريقيا، يحتفل به تفاؤلا بمجيء سنة زراعية خصبة، وهذا لا ينكره أحد. لكن ربطه بالسنة الخاصة بالأمازيغ وبهزم الأمازيغ لرمسيس ولجيشه مغالطة تاريخية وقد أكد في ذات السياق الباحث المختص في التاريخ القديم من جامعة باتنة الأستاذ جمال مسرحي ، أنه لا توجد سنة أمازيغية، بل هي سنة فلاحية تحييها كل منطقة وفق خصوصياتها وأعرافها ، كما نفى وجود تقويم أمازيغي، مضيفا أنه لا علاقة لشيشنق بالتقويم المزعوم، بل الاحتفالات بيناير حسب قوله تتم عندنا على غرار شعوب البحر المتوسط لاستجداء الخصب.
ونوه الأستاذ جمال مسرحي الى ضرورة الفصل بين الطقوس والتقويم أو التأريخ، فهذه الطقوس يمارسها السكان المحليين لدول شمال افريقيا منذ مئات السنين والتي تصب حسبه كلها في رغبتهم الملحة لاستدرار المطر والخصب عموما، مضيفا أنه يجب الاهتمام بها كموروث ثقافي محلي، مطالبا بدراسته انتروبولوجيا لمنحه الأهمية والإمكانات اللازمة لدراسته والحفاظ عليه، لأنه حسب جمال مسرحي يمثل فعلا هويتنا المتأصلة المتجذرة فينا.
أسطورة العجوز وعنزاتها في يناير
تذهب الأساطير والاعتقادات الى ارتباط يناير بحكايات خرافية لعل أبرزها حكاية العجوز العنيدة .ففي تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” (middleeasteye) البريطاني.اشارت الكاتبة وصال هارديز إلى أنه في التقاليد الأمازيغية كان يناير يتكوّن في الأصل من 30 يوما فقط. ويقال في الأساطير إن عجوزا تحدت غضب الشتاء بأخذ ماعزها للرعي خلال اليوم الأخير من يناير، وبعد أن شعر هذا الشهر بالإهانة بسبب غطرسة المرأة، اقترض يوما إضافيا من فبراير ، وفرض ليلة شديدة البرودة على العجوز انتقاما منها.ما تسبب في جماد العجوز وعنزاتها .تعبر هذه القصة الرمزية عن أهمية العيش في وفاق مع الطبيعة، وضرورة الصبر وأخذ الحيطة. ففي منطقة معروفة بشدة برودة الشتاء وحرارة الصيف، واجه سكان شمال أفريقيا تحديات شاقة في حماية محاصيلهم وصحتهم.
مظاهر الاحتفال بيناير ورمزيتها
تقول الأسطورة إن من يأكل حتى الشبع يوم يناير سيكون عامه ممتلئا بالخير خاليا من الفقر. كما تعبر العائلات عن وفرة ثروتها من خلال طهي الكسكس بالدجاج مع 7 خضراوات و7 بهارات مختلفة.في الماضي، كان على كل واحد من أفراد الأسرة يتناول دجاجة بمفرده إلى حد الشبع، وهو ما يرمز إلى الامتلاء والازدهار لمدة عام كامل. كما تحرص النساء على نثر فتات الطعام خارج البيت حتى يأكل النمل والطير ، وهي اشارة رمزية للتأكد من عدم بقاء أي مخلوق جائعا في يوم يناير.ويهدف الاحتفال بيناير إلى التأقلم مع قسوة الطبيعة والاحتفاء بقدرة الإنسان على البقاء والازدهار رغم كل مصاعب الطبيعة والحياة ، ففي مظاهره رسالة تخبر الانسان انه لا خوف من الطبيعة وان الخوف يستبدل بالتفاؤل وانتظار خيرها الغزير.
ما كتبه الباحثون والمفكرون عن يناير البريء الذي أريد به شرا
يحتفل بيناير تفاؤلا بسنة فلاحية خضراء ، ولا يقتصر على منطقة دون أخرى في الجزائر . فحتى بمنطقة القبائل ،وقبل ما يسمى بالربيع الامازيغي سنة 1980، كان الاحتفال به خاليا من أي طابع عرقي .
- جون ماريه داليهJean-Marie Dallet
فالأب داليه Jean-Marie Dallet صاحب أهم قاموس حديث للهجة القبائلية ، يذكر عن يناير ما يلي: “أول شهر من التقويم الفلاحي الشمسي ، تقويم جوليان. أول يوم من هذا الشهر، يقوم فيه الناس بتناول شربة يناير على لحم قرابين الديوك أو الأرانب. ،ومن التقاليد المتداولة بخصوص يناير مقولة قبائلية تقول: إن الماء الذي ينزل في يناير ينغرز في وهج حرارة غشت، أي أغسطس وفي ذلك اشارة الى ان الزرع الذي يسقى بماء مطر يناير سيجني في شهر أوت اشارة الى الحصاد ـــ[3] ولم يذكر داليه أية إشارة أمازيغية. يقول الكاتب والسياسي والمفكر عثمان سعدي لقذ سألتُ سيدة من مدينة البيّض سيدي الشيخ الجزائرية وهي عربية ـــ تقول أنها من سلالة فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ـــ فقالت لي بأنهم يعدّون الشرشم أي القمح المطبوخ ويأكلونه حتى تأتي السنة بالخير الوفير،كما تقسَم رمانة على أفراد العائلية . والرمانة عادة كنعانية فينيقية ترمز للخصوبة والكثرة.
- رينيه باسيه René Basset
اما رينيه باسيه René Basset, يقول “لقد علّم القرطاجيون البربر الزراعة، فالبربر يكسرون الرمانة على مقبض المحراث، أو يدفنونها في أول خط للحرث، تفاؤلا بأن سنابل الحبة المبذورة ستأتي كثيرة بعدد حبات الرمانة ، وهي عادة مستمدة من ثقافة قرطاج، فالرمانة رمز للخصوبة”[4] وثقافة قرطاج ثقافة عربية قديمة مثل ثقافة الأمازيغ. كل هذا يشير أن يناّير عادة مغاربية بعيدة عن العرقية. مرتبطة بالأرض والزراعة وبخاصة زراعة القمح. تستبشر بشهر ينار الذي يأتي بالماء من خلال ثلوجه وأمطاره، فينبت الزرع ، ويأتي الحصاد وافرا ويعيش الناس في رخاء.
- يناير عند بني سنوس تلمسان EDMOND DESTAING
كما كتب بتفصيل المستشرق الفرنسي EDMOND DESTAING في بداية القرن الماضي مقالا طويلا عنوانه “ينّاير عند بني سنوس″ وهم مجموعة من البربر جنوب غربي تلمسان. نشرها في المجلة الإفريقية R.A، واستهلها بخمس صفحات تروي بلهجة بني سنوس البربرية وبالخط العربي احتفالات يناير، خلاصتها كما ثبتها الكاتب في جمل عربية كتبها بنص المقال الفرنسي ، نورده بنصها فيما يلي:
“يوم نفقة اللحم.. يوم نفقة الكرموس.. إنهم يجمعون في مساء بداية اليوم ورق الشجر الأخضر على أنواعها حتى الريحان والبرواق وبوقرعون والخرّوب والسانوج والكروش والدرياس والعرعار، وينشرونه على سطوح المنازل حتى تأتي السنة خضراء..
في ندرومة يأكلون في اليوم الثاني رؤوس الغنم ويقولون:
من ياكل في ينّاير راس، يبقى راس، أي يبقى إنسان ذو مرتبة عالية
. في تلمسان يعدّون شربة لحريرة بالكروية وهم يقولون:
شهّد يا الكروية ما تموت شي يهودية..
وتعد النساء الشرشم أي القمح المطبوخ وهن يتغنين كما يلي
كل الشرشم لا تتحشّم* ربي عالم ما دسّينا شيْ
قم تسلّف لا تتهوْرف * قاع الحلّه ما فيها شيْ
ويتردد طلبة القرآن على البيوت طالبين الأكل في هذا اليوم وهم يرددون
هذا الدار دار الله * والطلَبة عْبيد الله
عمروها وثمّروها * بجاهك يا رسول الله
وإذا لم يتلق الطلبة شيئا يرددون:
المسمار في اللوح، مول الدار مذبوح
شبرية معلقه، مولاة الدار مطلقه..
وتكتحل النساء عيونهن بالكحل.. وإدا سقط سن صبي في هذا اليوم تردد أمه:
يا سنينه يابنينه، تخرج لوليدي سنينه
بجاه مكة ومدينه، ورجال الله كاملين” [5]
يناير تفاؤلا بسنة خصبة والتقويم الأمازيغي وضعته الاكاديمية الفرنسية بباريس!
حرص الاستعمار الفرنسي على غرس النزعة العرقية البربرية بين افراد المجتمع الجزائري منذ احتلاله للجزائر سنة 1830 عندما قال الفرنسيون جئنا لتحرير الجزائريين البربر من الاستعمار العربي والإسلام، وإعادتهم إلى ديانة القديس أوغسطين. في نفس السياق أكد الأستاذ جمال مسرحي بعدم وجود سنة أمازيغية. بل ينبغي علينا ان نفرق بين الأمور .فالاحتفال بيناير من عاداتنا الراسخة التي تعود كل عام . يتمنى فيه الناس أن يكون العام الفلاحي مقرونا بالوفرة والرخاء ، وكل منطقة تحييها وفقا لخصوصياتها .وقال الأستاذ جمال مسرحي في تصريح له لصحيفة الشروق الجزائرية ”: “لا وجود لتقويم أمازيغي ولا علاقة لشيشنق بالتقويم المزعوم هذا.. فالاحتفالات عندنا بعيد الناير تتم على غرار شعوب البحر المتوسط لاستجداء الخصب، كل الطقوس الممارسة تدل على أن الناس يتضرعون لحلول سنة خضراء خصبة .. ، أما التقويم فوضعته حسب جمال مسرحي الأكاديمية البربرية من باريس في سنة 1980 ، مضيفا ان تولي ششنق عرش مصر بصورته الفرعونية المصرية، لا علاقة له بالليبيين ولا بالأمازيغ ولا بالجزائر.. (7).
الأشهر الأمازيغية تحريف واعادة استنساخ للأشهر الرومانية!
أكد الباحث في التاريخ القديم جمال مسرحي بعدم وجود الأشهر الأمازيغية. وقال أن الشهور كلها رومانية، حيث تعتبر تسمية يناير تحريف لاسم يانايروس، وهو رب الأرباب أو إله البدايات كرسه الرومان لشهر جانفي، أما شهر مارس فهو إله الحرب، وهو الشهر الأول الذي تبدأ به السنة، أما يوليو فمأخوذ حسب جمال مسرحي من اسم يوليوس، أي يوليوس قيصر الذي كرّسه قيصر لنفسه، ثم كرّس أغسطس شهرا لنفسه هو الآخر، وهو شهر أغسطس أو أوت، أما سبتمبر فهو من رقم سبعة، وأكتوبر من “أوكتي” ثمانية أي الشهر الثامن، ونبر أي نوفمبر ومأخوذ من رقم “نوف” أي الشهر التاسع، وجمبر ديسمبر الشهر العاشر …الخ، وقال الباحث جمال مسرحي لـ”الشروق” إنه تم الاعتماد على هذا التقويم من قبل يوليوس قيصر سنة 46 قبل الميلاد، واختار السنة الشمسية التي تتكون من 365 وربع يوم، لكنه وجد فيه زيادة بـ11 دقيقة، وهذه الزيادة أصبحت خلال قرون أياما، ما اضطر الأباطرة حسب محدثنا إلى إحداث تعديل في التقويم، وقال جمال مسرحي إن آخر تعديل قام به البابا غريغوريوس الثالث عشر، حيث أعاد التاريخ من الخميس إلى الخميس لتدارك الأيام الزائدة، ومجموع الأيام التي ألغيت منذ اعتماد التقويم هذا هي 12 يوما، وهو التاريخ الذي يحتفل به السكان عندنا، أي يحتفلون بالتقويم الذي أقرّه يوليوس قيصر.. ويسمى بالتقويم اليولياني.