البوقالات الجزائرية ..أعقد وانوي واعرف المزيد عن أصلها
البوقالة..موروث شعبي متواتر..بهجة القعدات النسوية
من منكن لم تعقد النية يوما في جلسة بين قريناتها ؟ تنتظر فال حسن يبهج خاطرها؟ أكيد انتن كثيرات، خصوصا ونحن في شهر رمضان ،حيث تكثر الزيارات والسهرات العائلية .فينشغل الرجال بنقاشاتهم ،ويملا ضجيج الأطفال أركان بيوتهم .اما النساء فلهن من كل حدث حديث ..وإذا ما انتهت أحاديثهن ،دخلن في عالم يشبه الأحلام،فتنتظر كل واحدة بشراها التي تساق إليها عبر ارث شعبي عريق تحت مسمى البوقالة.هي موروث شفهي متواتر ،اشتهرت به الجلسات النسوية في ليالي رمضان او سهرات الأعراس والولائم. حيث تتفنن النساء في تلاوة جمل نثرية تشبه الأمثال الشعبية لكن بإيحاءات تدور غالبا في مضمون الفال الحسن والأمل وتحقيق الأمنيات بين النساء والعازيات على وجه الخصوص . وتتطلب لعبة البوقالة تحضير الأجواء الملائمة التي تساعد المُشاركات فيها على فتح مخيلتهن وفسح خواطرهن وشرح صدورهن للفال الطيب والأمل والرجاء والحلم.
أصل لعبة البوقالة
بالرغم من إن اسم بوقالة مشتق من الكلمة الامازيغية “ابوقال”، والذي يعني الإناء المصنوع من الفخار لشرب الماء أو الحليب.إلا أن هناك من المؤرخين من اختلف في أصل لعبة البوقالة ،فهناك من قال أن أصلها تركي، وهناك من يرجع نشأتها إلى العهد الفينيقي انطلاقا من مدينة شرشال 90 كلم غربي الجزائر العاصمة .وهناك من ذهب برايه انها مستوحاة الموشحات الأندلسية والطرب الشعبي فأصبح تقليدا خاصا تتسامر به النساء، فيلقى على شكل أبيات قصيرة بالعامية. وهناك من يذهب الى ابعد من ذلك فيشبهها بالطقوس السحرية الارثذوكسية. ورغم كل ماقيل عن أصل البوقالات، لا يختلف اثنان على جزائريتها نظرا إلى اللغة التي أدرجت بها وهي العامية الجزائريةالبسيطة مما يعبر على بساطة متداوليها قديما. وهي تعتبر من روافد الرصيد الثقافي الشعبي الجزائري.
مامعنى اعقد وانوي في لعبة البوقالة؟
ومن أبجديات اللعبة أن تمسك الفتاة بجزء من خمارها أو تنورتها أو أي قطعة قماش وتصنع على حوافها عقدة صغيرة وتقضي قواعد اللعبة عقد النية على شخص ما .فللنية دور هام في هذه اللعبة ،بحيث تعقد النسوة البوقالة و”تنويها” أي تقرنها بما يشغل بالهن في تلك اللحظات كالزوج أو الابن أو الأخ أو الأخت سواء كانوا حاضرين او غائبين. و في العادة تقوم امراة طاعنة في السن بترديد البوقالة على مسامع الحاضرات فإذا كان فال البوقالة جميلا تجد كل الفتيات متشوقات حتى يعرفن من هي صاحبة البوقالة المبهجة، وإذا كان كلامها به فأل سيء أو حزين ،تجد كل واحدة خائفة من ان تكون هي صاحبتها. وبعد الاستماع، يتم اخراج خاتم من إناء البوقالة، وتعرف صاحبة البوقالة بالخاتم الذي يرفع من الاناء. ولها الحرية في أن تخبر من حولها عن اسم الشخص الذي أسقطت عليه الفال أو تحتفظ به لنفسها.
البوقالة بين المنبوذ والمرغوب
هناك من يشبه البوقالة ببعض طقوس السحر حيث كانت في بداياتها تقام في الليل، عند اكتمال القمر، تماما كبعض طقوس الشعوذة، وأن من أدواتها الكانون أو النافخ وحاجيات النسوة، اللواتي يضعن في إناء فخاري به ماء أو ما يعرف بالبوقال، وكذلك ربط او تشكيل عقدة في طرف ثيابهن، بالإضافة إلى طريقة الاستماع إلى الفأل في العتمة والسكون.
حجة المشككين في برائة لعبة البوقالة من طقوس السحر ؟
البوقالة في صفتها الأولية، كانت تستعمل فيها سبعة أعشاب يبخر بها المكان .كالحنة والجاوي الأبيض والأسود وعشبة المر وعود الند والقصبر واللبان وقطرات من زيت الزيتون.. أما الحطب المستعمل، فكان يقطع من سبعة أبواب مختلفة في المدينة.. ويدعم الكارهون نظريتهم بكون البوقالة نوع من أنواع استحضار الأرواح والجن، “هبطت لقاع البحر، فرّشت زربية، خرجت لي جنية، قالت لي واش بيك يا بنية؟ قلت لها راحوا حبابي وخلاوني وحدانية”.. ويذهب البعض أبعد من هذا ويسمون البوقالة بالانحراف والخروج عن العرف، “يما يما ديريلي تويقة في وسط الحديقة باش نشوف زهري كي تجيبو ذيك الوريقة”.
يعم السكون ويخيم الظلام ولا يكسر صوت الليل إلا صوت يردد ترانيم طلاسمية: “بخرتك بالجاوي جيبلنا الخبر من القهاوي، بخرتلك بالحنة جيبلنا الخبر من مزغنة، بخرتلك بالزيت جيبلنا الخبر من كل بيت…” وتعقد النسوة أطراف جلابيبهن ويفتحنها بعد الاستماع للفأل.
الصلاة على النبي محمد يفتتح كل بوقالة
تتفتح البوقالة عادة بالتعويذ ،والصلاة والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام ،مما ينفي وجود أي وجه تشابه بينها وبين طقوس الشعوذة والسحر والتكهن *باسم الله بديت وعلى النبي صليت وعلى الصحابة رضيت وعيطت يا خالقي …يا مغيث كل مغيث ،يارب السماء العالي * ليبدا سرد البوقالة على النسوة.
ولفك كل الشبهات والالتباسات تم إلغاء جميع البوقالات التي تتضمن أبيات موجهة للأولياء الصالحين الناجم عن جهل واعتقادات الناس الخاطئة. وهذا بهدف الحفاظ على البوقالات الجميلة التي تتوافق مع عرفنا الاجتماعي والديني .بدون المساس بالشعور التوحيدي القاطع ،الذي يقوم عليه الإسلام .فتقليد لعبة البوقالة جزء هام من تراثنا الشفوي الجزائري، غرضه إضفاء أجواء الفرح والبهجة والتسلية في السهرات ،قبل ان تصبح تقليدا اخر يرافق علب الحلويات في الأعراس الجزائرية حاليا وذلك بعيدا كل البعد عن أعمال الشرك التي حرمها ديننا الإسلامي الحنيف.
تراث لامادي متجذر لا يمكن اقتلاعه
رغم التهم التي طالتها، تبقى لعبة البوقالة التي تسلت بها النساء الجزائريات بكل عفوية وانشراح صدر. واضفت اجواء الفرح على جلساتهن ، تبقى البوقالة بعيدة كل البعد عن الشعوذة والسحر.فهي أقرب إلى الفأل الحسن المرغوب .وستبقى سنينا كثيرة أخرى بلا ريب. فبعد ان حفظت كتراث شفوي في ذاكرة اسلافنا، باتت تحفظ على شكل قصاصات ناتي بها من اعراسنا او نبتهج بها وهي تظهر على شاشاتنا الالكترونية .لتصح اكبر وأكثر انتشارا مما كانت عليه في الأزمان الغابرة .حتى أصبح للرجال منها نصيب مادامت وسائل التواصل الاجتماعي مفتوحة على النساء والرجال على حد سواء.