Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
منوعات

صناعة الفضة ..تراث وتاريخ !

مهنة توارثتها الاجيال!

تعد صناعة الفضة في الجزائر من رموز الفنون التقليدية التي تعاقبت على صنعها الأجيال ،وتوارثتها أبا عن جد ،وصارعت مختلف الظروف التي تعاقبت على بلادنا من اجل البقاء .وهي تحظى بمكانة مميزة في مجتمعنا إذ تحرص النساء منذ القديم على اقتنائها لما تضفيه عليهن من بهاء وجمال تعبر على رفعة أذواقهن ومكانتهن الاجتماعية .

وتعتبر قرية بني يني الواقعة في منطقة  القبائل الكبرى مهد صناعة الحلي الفضية في الجزائر ،بالرغم من ان هذا النوع من الحلي لا يقتصر على أهل هذه المنطقة ،وإنما ينتشر في مختلف النواحي التي ينتشر فيها امازيغ القبائل.على غرار الشاوية الطوارق ، الشناوة وهم امازيغ جبل شنوة غرب البلاد،بربر الأطلس البليدي بالعاصمة ،بني مزاب ،زناتة وشلوح تلمسان.

أشكال مختلفة ترمز للأصالة

أبدع الحرفيون منذ القدم في صنع حلي  الفضة بمختلف أنواعها ،وذلك بنحت أشكال ورسومات في منتهى الدقة والجمال سواء فيما تعلق بالحلي النسوية أو التحف الموجهة لأصحاب الذوق الراقي ومحبي الأصالة والتقليد . ويستعمل الحرفيون في صناعة الفضة عدة أشكال ورموز ،منها ما يرتبط بالطبيعة وجماليتها كالأزهار والأوراق والشمس ،ومنها ما يرتبط بالعادات والتقاليد كالأقواس والأهلة التي تبرز فوق حلقات مصنوعة من قبب أو صومعات كرمز من الرموز الإسلامية.

.وتختلف هذه الأشكال من منطقة إلى أخرى فنجد تشابها كبيرا بين حلي أهل الطوارق والاوراس في الأشكال والألوان والنقوش التي لم تتغير عبر الأزمنة، والتي تتميز بدقة نقوشها وكبر حجمها وامتلائها بالفضة البيضاء،بالرغم من خلو فضة أهل الطوارق من الألوان عكس الفضة في منطقة الاوراس التي تدخل فيها بعض الألوان كالمرجان الأصفر والأحمر.

فضة  أولاد نايل حينما تتفرد الأناقة والجمال

وتتفرد منطقة أولاد نايل (الجلفة وماجاورها)  بأنواع من الحلي التي لا نجدها في باقي ربوع الوطن ، مثل الخلخال الداودي،بطن الافعى، سوار الأنياب وهو قطعة مميزة تعكس المكانة الاجتماعية للمرأة ،التي كلما علا شانها زاد عدد الأنياب في السوار ،والتي قد تصل إلى 25 نابا وهي أفخم الاسورة .كما تعرف منطقة أولاد نايل  بالونايس، العلالق ،المشارف ،وهي حلقات تزين بها الجوانب فوق العصابة . إضافة الى القلادة كبيرة الحجم ذات الفكرون، وهو وعاء فضي مستطيل توضع داخله

الحروز او العطور. وكذلك سلسال الخامسة والخلالات المربوطة بالسلسلة ،والتي تسمى بالجازون، ويأتي متبوعا بالبزيمة. ومن بين أنواعها المدور إلى جانب النشاب الذي يربط في العمامة والمخزنة الفضية كبيرة الحجم . كما نجد الدح وهو نوع من الأساور الخشنة  إلى جانب أنواع مختلفة من الخلاخل كخلخال بطن الأفعى  او خلخال رأس الثعبان المبروم والداودي .هي كلها حلي تحرص المرأة النايلية على اقتنائها لتظهر بأبهى حلة من رأسها إلى أخمص قدميها. .

حلي منطقة القبائل ..ألوان تنبض فيها الحياة

تعتبر حلي منطقة القبائل من أكثر الحلي الفضية طلبا .فهي تتميز عن غيرها بالألوان الزاهية المستوحاة من الطبيعة الخلابة التي مثلت جانبا قويا من حياة السكان فيها، عكس الحلي الصحراوية التي تنعدم الألوان فيها للطبيعة الجافة التي تميز البيئة الصحراوية  . ومن بين أكثر الألوان التي نجدها في حلي منطقة القبائل اللون الأزرق الذي يرمز للسماء، الأحمر الذي يرمز للنار، الأصفر رمز الشمس، والأخضر لون الطبيعة . وشهدت حلي منطقة القبائل في الفترة الأخيرة تغييرات من حيث الشكل واللون  بحجة عصرنتها خصوصا وان الكثيرات من النساء صرن يقتنينها للاستعمال اليومي .

دلالات اجتماعية ورسائل مشفرة

بالرغم من ان التزين بالحلي الفضية يعتبر تقليدا متوارثا لغاية جمالية وإظهار المكانة الاجتماعية لصاحبتها، فانه من جهة أخرى بمثابة رسائل مشفرة تبعثها المرأة لأهلها من خلال القطعة التي ترتديها لتعبر عن وضعيتها الاجتماعية لكل من يراها دون التحدث إليها .فقد عرفت المرأة القبائلية بصبرها وصمودها .وحسب روايات العارفين بتقاليد المنطقة فان طريقة ارتداء الحلي الفضية وسيلة وأسلوب خاص للتواصل بين المرأة المتزوجة وأهلها. ففي القديم تتزوج الفتيات بعيدا عن عروشهن ،وإتباعا للتقاليد التي لا يجب معارضتها فان تواصل الفتاة مع أهلها يكون شبه مستحيل .إذ لا تزور بيت أهلها قبل مرور عام على زفافها، وإن رزقت بمولودها الأول قبل زيارتها الأولى للأهل، فإنها تبقى حتى يبلغ سنته الأولى، وفي المقابل يزورها أهلها في المناسبات والأعياد حيث يتم استقبالهم من طرف العائلة الكبيرة التي زفت إليها ابنتهم ليصبح الجلوس برفقتهم  لوحدها غير متاح، ولهذا أوجدت  النسوة ما يشبه شفرات سرية تتواصل بها الأم وابنتها، حيث ترتدي الفتاة لدى زيارة الأهل لها، قطعة حلي معينة توضع على الصدر، فتعلم بها الأم بحال ابنتها ليتم التواصل بين العائلتين المتصاهرتين بهدف الاستفسار عن ظروف ابنتهم وحل المشاكل بهدوء وروية ففي القديم ، لم تكن المشاكل العائلية تتجاوز أسوار المنزل العائلي، حيث تربى الفتاة منذ الصغر على كتم أسرار بيت زوجها.

 من صناعة العملة النقدية والاسلحة الى صناعة الحلي  

اشتهر سكان قرى بني يني في تيزي وزو بالتجارة منذ القدم، نظرا لصعوبة تضاريس المنطقة وانعدام النشاط الزراعي تقريبا فيها، وأشار الكاتب “ارزقي فراد” أن ازدهار هذا النشاط في بني يني يعود إلى تواجد اليهود فيها، حيث كانت قراها شبيهة بمدن صغيرة، وكان التعليم من أولويات الأهالي منذ الأزل وعبر جميع الحقبات الاستعمارية واختلاف جنسيات المستعمر، إذ لم تتمكن أي قوة احتلال من طمس وإزالة عادات وتقاليد المنطقة، وقد ساهم شح المؤهلات الطبيعية خصوصا فيما تعلق بالنشاط الزراعي، في الاهتمام بالجانب التجاري وخلق مصادر تمويل واسترزاق مغايرة.
وتشير مراجع تاريخية لجنرالات فرنسيين، أن اليهود انتقلوا إلى الجزائر بعد طردهم من الأندلس من قبل الممالك المسيحية، وعرف هؤلاء أوج نشاطهم التجاري في ظل الحضارة الإسلامية، وقد استقطبهم نمط القرى ببني يني فاستقروا بها ونقلوا إليها التجارة، وعرفت المنطقة بتبادل وترويج العملة الفضية لتتطور إلى صنع الأسلحة، قبل أن تليها صناعة الحلي الفضية ويلتف السكان حولها، حيث بلغ عدد الورشات سنة 1873 إلى 125 ورشة في بني يني.
وتختلف الروايات عن طريق انتقال اليهود إلى بني يني، بين البليدة التي تمركزوا فيها بشكل كبير وولاية بجاية خصوصا أن هذه الأخيرة اعتبرت قديما منطقة تجارية يقصدها الكثير من تجار دول حوض البحر الأبيض المتوسط.

التواجد العثماني وصناعة الفضة في الجزائر

وحسب مراجع تاريخية أخرى، فان تاريخ صناعة الفضة في قرية اث يني بمنطقة القبائل يعود الى العهد العثماني في الجزائر بداية من تداولهم للعملات الفضية بشكل جعلهم يصنعون عملة مزيفة وانتقلوا بعدها مباشرة الى صنع الأسلحة بعد اكتشاف الأتراك أمر العملة المزيفة وقد عجز الأتراك عن ردعهم فحاولوا إغواءهم بالتنقل إلى سهول المتيجة  نظرا لارتباط الرجل القبائلي بالأرض والزراعة التي كانت شحيحة في بني يني وكانت هذه خطة الأتراك  لكبح طموح وخطر القبائل على التواجد الأجنبي في الجزائر، ورد هؤلاء بطريقة تملؤها الثقة والاستهزاء، بأنهم سينتقلون إلى متيحة إذا ما تمكن الأتراك من تحريك جبال القبائل ونقلها إليها، لتفشل خطة الأتراك ويستمر بنو يني في صناعة وترويض الفضة إلى يومنا هذا.
وتحتل اليوم منطقة اث يني ريادة صنع الحلي الفضية على المستوى الوطني،ما يجعل حليّها اليوم أيقونة في عالم المجوهرات ومعيارا للجودة والنوعية من الناحية الجمالية والعراقة وذاع صيتها حتى الى البلدان الأخرى من خلال مشاركات الحرفيين في المعارض الدولية

حلي للزينة.. رموز تبرز مكانة المراة 

تعتبر طريقة ارتداء الحلي الفضية فن بحد ذاتها فكل قطعة لها رمزيتها وخصوصيتها حيث لا يمكن للمراة ان ترتدي أي قطعة حلي تريد، لان كل قطعة تستعمل لوضع خاص وعمر خاص كذلك . حيث يختلف ما ترتديه العزباء عما ترتديه المتزوجة و المطلقة والأرملة، وللجدة والام والحماة قطع خاصة بهن .أما القطع الثقيلة والنادرة التي تعد في الغالب قيّمة وذات دلالة قوية غالبا ما تهدي للفتاة اليتيمة من قبل جديها أو أعمامها وأخوالها، تعبيرا عن دعم العائلة لها ، وللكنة قطعتها الخاصة تهدى لها لدى إنجابها لبكرها “الذكر”. كما تحظى العروس بحلي خاصة تتميز بها في يوم عرسها  كالخلخال او القطعة التي توضع في الرجل والتي تعد من اغلى المجوهرات الفضية التي لا يمكن للجميع اقتناؤها ،ويصل وزن خلخال العروس قديما الى حوالي 500غ ويرمز ذلك الى تثبيت اقدامها وجعلها تخطو في حياتها الجديدة خطوات متزنة لتثبت في بيتهاوتتصف بالحلم والاناة، في حين تزين الجدات بعد ولادة  أحفادهن أعناقهن بسلسال كبير وضخم يسمى”امشباك” يحمل قطعا صغيرة مختلفة الأشكال بعدد أحفادها وأبنائها، وكلما زاد عددهم زاد حجمه وزاد تباهيها بهم..

امشلوخ او السوار.. سلاح يحفظ شرف المراة .

كان السوار او” امشلوخ” قديما قطعة سلاح في يد المرأة حيث كانت القبب الصغيرة المبقى عليها الآن، أكثر حجما وحدة، تضعها المرأة في يدها للتصدي لأي محاولة اعتداء عليها، نظرا لتواجدها أغلب الأحيان خارج البيت للقيام بأشغالها في الحقول والمزارع، الاحتطاب، جلب الماء أو جني المحاصيل، ما استوجب احتماءها بشيء تكون على أتم الاستعداد لاستخدامه دفاعا عن نفسها، ليبقى السوار قائما إلى حد اليوم تزين به القبائلية معصمها كقطعة حلي أخاذة.

بين الاعتقاد والحقيقة الفضة تعالج الأمراض وتطرد القوى الشريرة  .

استعملت الحلي الفضية كوسيلة للوقاية من الشر تحت عبائة الجمال والزينة، ونجد أكثر الأشكال رمزية واستعمالا  اليد أو الخامسة ورأس الثعبان، الذي كان يرد به الحسد في هيئة قطعة حلي جميلة، تتزين بها المرأة ظاهرا وتحمي بها نفسها بالواقع حسب المعتقدات . ويعتقد البعض أن للفضة خصائص علاجية كثيرة، كعلاج الروماتيزم والأعصاب والحمى  وتساعد على القضاء على الاكتئاب والتوتر ويتم اضافتها بنسب ضئيلة في صنع بعض الأدوية .

وحسب موقع الخليج .فقد اثبت العلم الحديث أن للفضة فوائد صحية عند ارتدائها فهي تستطيع الوقاية من الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من الهواتف المحمولة والأجهزة الحديثة . كما أن للفضة قدرة على التوصيل الكهربائي والحراري. حيث تقوم على خلق مجال كهربي  وتقوم بتوزيع الحرارة حول الجسم ،وتصنع الايونات التي لديها شحنة موجبة مجالات تعكس الإشعاعات المغناطيسية بعيدا عن الجسم،مما يفيد الصحة بشكل عام .

تبقى الحلي الفضية رمزا للاصالة ، لكل قطعة شكل ولكل شكل حكاية برزت ونشات مع الثقافة البربرية العريقة .تعايشت مع كل الحضارات التي تعاقبت على مر العصور وتداخلت الاشكال فيما بينها لنحصل اليوم على باقة ثرية متنوعة الاحجام والاشكال والانواع.لتصبح هذه الحلي خريطة تبرز تعايش الحضارات وتداخلها وترسيخ معالمها في ذاكرة زاخرة.

 

المصدر
المساءموقع الاتحادموقع الخليجموقع الشروق اونلاين
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى