مختصون لـ ياسمينات : الكبت الاجتماعي وراء انتشار الظاهرة
هذه أغرب أسماء الجزائريين على مواقع التواصل
أحدثت وسائل التكنولوجية ثورات في أوساطنا الاجتماعية بمختلف فئاتها، وأصبح للعالم الواقعي الذي نعيش فيه عالما موازيا يتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت ملاذا للإنسان بمختلف فئاته العمرية للتعبير عن أفكاره و مكبوتاته وحالاته المزاجية بأسماء مستعارة مختلفة، منها الجميلة ،والبذيئة، والساخرة ،والسخيفة، والغير معقولة أيضا.
على غرار : “مخ مكريزي..مزطولة بالشيكولة ..حبة عدس دايرة الحس. كوكوطة ما تصفرش ..جن في كاسرونة حليب..ذبانة هاربة من فليطوكس .كافار داير لافار. حبة قارص تمشي وترقص. حبة فريت مقلشة في الزيت ..مزطول على طول ..تشبتشاق لقا غلاق … شعر فريزي ..بوقوص وليد اللصوص ..” وغيرها من الأسماء المستعارة.
ولفهم هذه الظاهرة أكثر، اتصل موقع ياسمينات بمختصين في المجال الاجتماعي والنفسي، على غرار الدكتور الهادي سعدي مختص في علم الاجتماع وأستاذ بجامعة بجاية، والدكتورة رشيدة زايدي مختصة في علم النفس الإكلينيكي والسلوك المعرفي والطب النفسي العائلي للكشف عن أسباب لجوء شريحة من الجزائريين للإستعانة بأسماء مستعارة منها الغريبة والطريفة على مواقع التواصل الاجتماعي.
الأسماء المستعارة تعبر عن شخصية صاحبها
تعتبر الدكتورة زايدي ان ظاهرة التخفي وراء أسماء مستعارة في وسائط التواصل الاجتماعي ظاهرة تتعدد أسبابها وغاياتها. فهي قد تعبر عن مشكل في الصورة النرجسية للإنسان . ففي حالة ما إذا كان الاسم المستعار يحمل معنى إيجابي، فهذا يعني أن صاحبه بحاجة إلى تقييم ..فيسعى من خلال هذه الأسماء المستعارة تحقيق الشخصية التي يعجز عن تحقيقها في الواقع. فمثلا ضعيف الشخصية يطلق اسما يدل على القوة، والذي لا يرضيه شكله يصف نفسه بالاسم الجميل مدعما ذلك بصورة وهمية جميلة، وآخرون يبحثون عن العطف ولفت الأنظار بالأسماء التي تدل على الضعف والبعض نرجسي في اختياره لاسمه المستعار ليؤكد عن اعتزازه وإعجابه، وفي حالة ما كانت التسميات سخيفة منحطة فذلك مؤشر على أن صاحب الاسم المستعار يعاني من قصور في تقييم نفسه وذاته.
كما ربطت المختصة النفسية الدكتورة رشيدة زايدي هذه الظاهرة بمشكل الهوية ..فجيل اليوم تائه بين ما يستورده من ثقافات الغير وبين هويته بنسقها التقليدي الاجتماعي الموروثة عن الجيل السابق، وجاء الجيل الحالي ليجسد ما تلقاه فنقله بصورة عبر بها بهذه الطريقة في ظل التغيرات الاجتماعية التي هي نتاج ثورة تكنولوجية خلطت المفاهيم.
وأشارت المتحدثة إلى ضرورة الحرص على التنشئة الاجتماعية السليمة، ابتداء من الأسرة باعتبارها النواة الأولى للمجتمع. كما أكدت على ضرورة الرجوع إلى نقطة تقييم الذات ..هل الإنسان ينظر إلى نفسه نظرة إيجابية أم ينظر اليها نظرة سلبية؟ وحسبها فان الإنسان الذي يكون عنده تقييم إيجابي مرتفع لذاته لا يرضى بأسماء مستعارة سخيفة وقبيحة أيضا.
كثرة “الأقنعة” في الحياة الواقعية وراء انتشار الأسماء الافتراضية
ومن جهته أكد الدكتور الهادي سعدي مختص في علم الاجتماع أن الناس تلبس أقنعة في الحياة الواقعية . وتتعامل وفق ما تمليه التقاليد والأعراف حتى لا يخرجوا عن النسق الاجتماعي، وأضاف أن التنشئة الاجتماعية عندها اكراهات، أي تريد أن يكون الإنسان بشكل وسلوك معين .. لذلك يبقى التكلف والتصنع والشخصية الزائفة أسلوبا يلغي خوف الإنسان من ردة فعل المجتمع المهووس بإصدار أحكام مسبقة والتقبض على الآخر، خصوصا ونحن نعيش في بيئة بارعة في إصدار الأحكام . وجميعنا يعرف انه إذا حكم عليك الناس بتهمة ستلازمك طوال حياتك مهما حاولت حذفها من قاموس سلوكياتك وتصرفاتك. هذا في الحياة الواقعية فما بالكم في الحياة الافتراضية؟.
السوشل ميديا فسحة للتخلص من الاكراهات والقيود الاجتماعية
وحسب الدكتور الهادي سعدي فان سحب كل ما سبق ذكره الى الحياة الافتراضية سيوفر مساحة اكبر للتخلص من هذه الاكراهات الاجتماعية والأحكام المسبقة على الآخرين خاصة وان الشخص في وسائل التواصل الاجتماعي يكون غير معروف تماما شكلا وهوية فيستعين بالأسماء المستعارة الغريبة والمضحكة والسخيفة والغريبة والعنيفة …فالعالم الافتراضي أتاح للأشخاص أن يعبروا ويخرجوا من مشكل المجتمع المتمثل في عدم الاعتراف وقبول الإنسان كما هو على طبيعته .ففضحت هذه الوسائط الأمر وعمقت المشكل لتعطيه بعدا لا أخلاقي او استهزائي، جعلت الأشخاص يتحركون في مساحات السخرية من ذاتهم لان السخرية من المجتمع هي سخرية من الذات فالأشخاص يشكلون البنية الأساسية للمجتمع. وهذا يعبر عن عدم قبول الذات والرضا بالسلبيات بل ومحاولة نشرها.
التخفي وراء الأسماء ا ساعدت المجتمع في اخراج مكبوتاته.
و اعتبر الدكتور الهادي سعدي الظاهرة صحية لان مواقع التواصل الاجتماعي حسبه أخرجت الحالات المرضية والمكبوتات الموجودة في المجتمع وحررت الإنسان من القيود المفروضة و جعلت المجتمع يعرف نفسه وما هو عليه .
ويوضح الدكتور الهادي سعدي قائلا (اعتباري هذه الظاهرة صحية جاء بعد وقوفي على الأسباب الكامنة وراءها) ويضيف (بإمكاني استعمال الخطاب التقليدي فأقول ان استعمال الأسماء المستعارة البذيئة واللاأخلاقية لا يصح في مجتمع مسلم يفترض ان يكون السلم الأخلاقي فيه عاليا أي مثل ما يفعله الخطاب الديني الذي يكتفي في كثير من الأحيان بالإباحة والتحريم لكن في رأيي يضيف الدكتور الهادي سعدي هذه ليست طريقة لتفسير الظاهرة وعلاجها ..يجب ان نعي أن هناك مجتمع يفرض على الأشخاص أشكال وقواعد معينة من التصرفات أقامت حواجز ووضعت الأشخاص في سجون فأصبحت هذه القواعد تثير التذمر الذي يظهر على شاكلة الأسماء المستعارة الغريبة التي نجدها في السوشل ميديا.
الخطاب البسيط كفيل بنقل المفاهيم الأساسية لتنشئة جيل متزن
و أردف الدكتور الهادي سعدي قائلا ( هذه الظواهر ماهي الا نتائج عدم معرفة المربين واولياء الأمور كيفية نقل المفاهيم الأساسية لبناء جيل راجح متزن بخطاب بسيط سلس يتوافق مع عقلية شباب اليوم ، فمثلا الخطاب الديني لم يعرف تبسيط مفاهيمه واستبدال لغته بمصطلحات جديدة تتوافق مع عقليات شباب اليوم الذي ينتمي إلى عوالم مختلفة..كيف ننتظر من شاب في العشرين من العمر أن يستمع إلى خطاب كلاسيكي يعتبره قديم لا يعنيه ولا يؤثر فيه؟ لذا فالدور هنا يقع على ولاة الأمور من مربين وأئمة الخ لتكييف خطاباتهم وطرق تواصلهم مع الشباب بطريقة تؤثر فيه. ويجب فتح فضاءات للشباب تعود بهم إلى العالم الواقعي، و ترفع وعيهم وتساهم في إخراج مكبوتاتهم مع الحرص على تبسيط مفاهيم مجتمعية للاهتمام بلغة الشباب وبالتالي توصيل الفكرة..يجب ان نعي ان الخطاب الاكاديمي والديني مثالي وتربوي جدا يتحدث عن الكمال والمثالية لكن الواقع شيء مخالف تماما).
الفضاءات الافتراضية تمنح للشباب ما هو غير متاح في حياته الواقعية
وعن أسبابا لجوء الشباب الى الأسماء الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي أكد محدثنا..(وسائل التواصل الاجتماعي تمنح الشباب اللامتاح في واقعه وتنقل اليه العالم الآخر بصورة مبهرة، تتعارض مع واقعنا المليء بالاختلالات هذا الاختلاف بين العالمين جعل الأفراد يسقطون في هوة السخرية والتخفي والإحساس بعدم الانتماء وعدم احترام أي شيء لتصبح وسيلة للتعبير على حالة جيل لا يرضيه ما يعرض عليه في بيئته فجعل من الفضاءات الافتراضية مساحة يطلق من خلالها صرخات عدم الرضا بواقعه المر، ولا يجب ان ننسى، ،أن جيل اليوم وليد العشرية السوداء التي جعلت وطننا في حالة نزيف حاد فأصيب بما يشبه الأنيميا في جسم الإنسان انتجت جيلا هشا عززت هشاشته الأوضاع الراهنة التي تعيشها البلاد .جيل غير راض بحياة مسدودة الافاق زادتها انسدادا ازمة السكن والبطالة وغيرها ..فماذا ننتظر من شباب يفتقد حتى الى الامل في بناء حلم..).
الأسماء المستعارة البذيئة هي طيش شباب سيمر
وأكد الدكتور الهادي سعدي أن التخفي وراء أسماء مستعارة باختلاف أنواعها ماهي سوى متنفس لتخفيف الضغط على الشباب، وأضاف ان مرحلة النضج كفيلة بعلاج كل هذا خاصة وان اغلب مستخدمي هذه الأسماء مراهقون لا ينبغي الحكم عليهم( فلنعتبر هذه الممارسات .ثورة انسان لا يتحكم في أقواله في لحظة غضب حيث يقول كلاما هو نفسه لا يرضى عنه عندما يهدا ويستكين فلنصنف هذه الازدواجية في اطار انسان يعيش حياة طبيعية يعبر عن سخطه في الفضاء الافتراضي.).
أصحاب الأسماء المستعارة يبحثون عن مساحة أوسع للحرية
وبالنسبة لكثرة الأسماء المستعارة على مواقع التواصل، أكد محدثنا ( ماهي الا وسيلة تذمر وعدم ارتياح وسخرية من كل شيء لدرجة الخروج عن النص .و لا يجب إصدار أحكام سلبية على هؤلاء الشباب ..يجب أن نفهم أن الشاب يريد أن يتحرر و يخرج من السيطرة ،حيث يمكن ان نجد أصحاب هذه الممارسات في الواقع يعيشون حياة عادية..و يعبرون عن سخطهم بواسطة بروفايلات وهمية تحت كل المسميات .تماما كحال مسجون يريد ان يصرخ دون ان نعير اهتماما لصرخاته. لو بحثنا من جهة أخرى عن هؤلاء قد نجدهم يعانون من الازدواج في الشخصية..معاناة من واقع غير مفهوم وهم مقدمون على عالم متنوع الثقافات والاتجاهات والآراء يولد لديهم نوع من الخوف من فهم هذا التنوع والزخم والسعة الكبيرة .هذا الخوف يؤدي الى السخط والسخرية والتهكم ،وهي بالنسبة لهم طريقة علاج و إيجاد التوازن ومتنفس من خلال القول السلبي الذي يقولونه.
في الأخير نقول ان مجتمعنا مليء بالمحرمات السياسية والاجتماعية والدينية ومقيد للحريات ،ما جعل أعضاء المجتمع في حالة انفصام اجتماعي ،فأما يكونون هم بأسمائهم الحقيقية وبالتالي يكونون كباقي المجتمع مقيدين بآرائهم ولا ينطقون باي راي يتعارض مع راي الأغلبية لكي لا يكونوا في حالة نقد وربما الهجوم وتشويه الصورة ، واما يكونوا بأسماء مستعارة ليمارسوا بكل اريحية حقهم في التعبير عن آرائهم الحقيقية غير المغلفة والمقيدة بالعادات والدين دون خوف في ظل مجتمعات قمعية ومصادرة في الحق للتعبير.