“المولود” في الجزائر..بين حرب الفتاوي وحرب المفرقعات!
مع اقتراب ذكرى مولد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، يعود الجدل مجددا حول مشروعية الاحتفال بهذه المناسبة التي يعظمها اغلب الجزائريون، فبين مؤيد ومعارض تظهر ككل عام حرب لسانية ،اغتياظ وتمتمات يطلقها المعارضون المارون على طاولات بيع المفرقعات في الطرقات ،خصوصا مع الطوابير التي يلتم حولها الشباب المتحمس “لتفجير” ليلة المولد “بالصاروخ “والشيطانة ” وغيرها من المفرقعات ذائعة الصيت.
ويمتد الجدل إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تتصدرالأطباق التقليدية قائمة المنشورات فيه ، حيث تتنافس النسوة بعرض أشهى ما حضرن من مأكولات في ليلة المولد ، بينما تتحول الأحياء والشوارع إلى ساحات حرب تخلف جرحى ومعطوبين، ليتيه الجزائريون بين حرب الفتاوى وحرب الألعاب النارية التي تؤجج ليلة المولد كل عام بنيران مفرقعات ترافقها غالبا أبواق سيارات الإسعاف ليصبح المشهد أشبه بحرب ضروس !
بين حرب الفتاوى وحرب المفرقعات
وتختلف طقوس وعادات احتفال الجزائريين بذكرى المولد النبوي الشريف بين من يكتفي باعتبار هذا اليوم يوم راحة وعطلة مدفوعة الأجر يقضيها في تناول أشهى الأطعمة التقليدية على غرار الشخشوخة والرشتة ،وبين من يشعل الشوارع بالمفرقعات والألعاب النارية فتتحول الى ساحات حرب حقيقية تخلف كل عام جرحى ومعطوبين وحرائق .والشاهد على ذلك المستشفيات التي تستقبل أطفالا وشبابا بأيادي محروقة وأعين مفقوءة. وبين هذا وذاك تفضل شريحة من الجزائريين اغتنام هذه المناسبة بتنظيم دروس وحلقات ومواعظ للحديث عن سيرة المصطفى، في حين تقاطع شريحة أخرى كل مظاهر الاحتفال وتعتبره من المخالفات الشرعية التي لا تقبل الجدل.
اجماع الجزائريين على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
ولم تعد فتاوى التحليل والتحريم تثير اهتمام الجزائريين، الذين أجمعوا على ضرورة إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف كل على طريقته وقناعته. ومن أهم الأشياء التي يقدسها الجزائريون في هذا اليوم إظهار مظاهر الفرحة والاحتفال باجتماع العائلة على طبق تقليدي وإشعال الشموع وربط الحناء .وهناك حتى من يغتنم المناسبة لختان الأطفال فتكون اللمة كاملة شاملة تزداد حلاوتها بتبادل أطراف الحديث حول سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام .اضافة الى المفرقعات بمختلف أحجامها وأسعارها و التي تجعل من احتفالات المولد يوما صاخبا و مدويا رغم موجة الانتقادات والتحريم .
الصاروخ.. الفراشة و الشيطانة تصنع الحدث
تظهر كل عام أنواع جديدة وغريبة من المفرقعات في الأسواق والتي تلهب احتفالات المولد وتخلف حوادث بالجملة، على غرار الزندة، الفراشة، الشيطانة.. الوردة، القنبلة المزدوجة .البقلاوة.. الصاروخ. هي أسماء أبدعها الجزائريون لطبيعة هذه المفرقعات التي تتميز بقوة الانفجار،فهي قادرة على بتر يد وفقئ عين ! والملفت للانتباه الإقبال الكبير عليها من طرف العائلات رغم ارتفاع أسعارها التي تتراوح مابين 500 دج و مليون سنتيم ، والمؤسف أن هذه الأموال الطائلة التي ينفقها الجزائريون على المفرقعات سرعان ما تحترق في الهواء وتتحول الى رماد منثور .
مشايخ يحللون المفرقعات وآخرون يحرمون حتى الأطباق التقليدية
- الشيخ شمس الدين الجزائري يؤيد الاحتفال بالمولد اذا ما لم يتسبب في اذية الأشخاص
وبالحديث عن المفرقعات التي تعتبر علامة جزائرية مسجلة ،فإن بعض المشايخ استحسنوها واعتبروها مظهرا من مظاهر إظهار حب الرسول عليه الصلاة والسلام .وهو ما قاله الشيخ شمس الدين في برنامجه اليومي “انصحوني” ، أن الفرح بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم واجب وفطرة ،مشيرا أن المسلمين يفرحون بهذا المولد لحبهم للرسول صلى الله عليه وسلم. وأضاف الشيخ “أن كل ما يجوز فعله طيلة السنة يجوز فعله يوم المولد النبوي والناس حسب حالتها”. كما أشار المتحدث أن الألعاب النارية ليست حرام وإنما الحرام يكمن في أذية الأشخاص بهذه الألعاب.
- الشيخ علي فركوس يحرم الاحتفال بالمولد ويعتبره بدعة
وإذا كان الشيخ شمس الدين حلل المفرقعات ،فان الشيخ فركوس حرم كل مظاهر الاحتفال والتميز لهذا اليوم عن باقي الأيام .ويشمل هذا التحريم حتى الأطباق التقليدية والاجتماعات العائلية حيث قال في إحدى فتاويه تحت عنوان ” حكم الاحتفال بمولد خير الأنام عليه الصلاة والسلام إن ” الاحتفالية بدعة ولا يجوز أبدا الانشغال بها “.
واعتبر الشيخ على فركوس أن الاحتفال بالمولد النبوي اأحدثه بعض الناس.إما تقليدا للمسيحيين في ميلاد عيسى عليه السلام, وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له يعتبر من البدع المحدثة في الدين التي حذر الشرع منها. فهذا العمل ليس له أصل في الكتاب والسنة. ولم يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم موالد لأحد من سابقيه من الأنبياء والصالحين، وجميع المظاهر التي تميز هذا اليوم عن غيره تدخل من باب البدع والمحرمات..”. وامتد صدى هذا الجدل إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي انقسمت الى مؤيدي راي التحريم ومؤيدي راي الاباحة ،لدرجة حدوث مناوشات كلامية بين رواد وسائل السوشل ميديا في التعليقات ،تصل الى حد الشتم والسب أحيانا ،وهذا ما يتنافى مع ماجاء به نبي الرحمة والسلام.
الطريقة الصحيحة للإحتفال بالمولد النبوي الشريف
يرى الكثير من العلماء والمشايخ أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا لم يخالطه عمل منكر أو فعل محظور شرعا فهو أمر لا غبار عليه .بل هو سنة حسنة كما جاء في الحديث: “من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة”.
- راي الشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي في الاحتفال بالمولد
ومن أفضل الأقوال في هذا الشأن قول للعلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي الذي قال كلاما من ذهب ،فصّل فيه أحكام الاحتفال بالمولد النبوي بين المجيزين والمبدِّعين، حيث قال : “الاحتفال بالمولد النبوي الشريف على ثلاث صور راجعة إلى اعتقاد الإنسان فيه: من اعتقده عيدا كعيدي الفطر والأضحى فقد ابتدع، ومن اتخذه ذكرى للنبي صلى الله عليه وسلم باعتباره نعمة من نعم الله وشكر هذه النعمة بالأعمال الصالحة، فهذا مأذونٌ فيه بل هو مطلوب لأن في احيائه شكر لله على ميلادالرحمة المهداة ، ومن اتخذه مناسبة لبعض الأمور المباحات كإظهار الملابس الجديدة والمطاعم ونحو ذلك فهذا في الأصل من الأمور الجائزة لأنه ليس مما يدخل حيِّز البدع فالبدع لا تدخل في العادات ولا في اللباس”.
- راي الشيخ محمد راتب النابلسي
وفي هذا الشأن ،نصح الدكتور محمد راتب النابلسي بضرورة اغتنام هذا اليوم بإحياء مآثر وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام عن طريق لم العائلة وتنظيم حلقة نبوية حول سيرة وأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام يتعلم فيها الأطفال والشباب سيرة رسولهم عليه الصلاة والسلام .ولا باس أن يتبعها بعد ذالك تناول لأحلى الأطعمة والأشربة والتي تدخل في دائرة المباحات .
اعتبر عدد من النشطاء أن الاحتفال بهذه المناسبة ” تقليد ديني راسخ “, وكتب أحد المعلقين ” الذين يفتون بعدم جواز الاحتفال بمولد قدوتنا يريدون جيلا هجينا لا معالم له “.وبعيدا عن هذا الجدل فان اغلب العائلات الجزائرية متمسكة بالاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم.