صناعة الفخار..حرفة صمدت مع تعاقب الحضارات
تعتبر صناعة الفخار من اقدم الصناعات التي ارتبطت بوجود الانسان، الذي عرف كيف يستخلص مادته الخام من الطبيعة، فشكل منها مختلف الأدوات التي يستخدمها في حياته اليومية. صمد الفخار مع تعاقب الحضارات وتعايش مع كل الاختلافات الزمنية التي شهدها العالم ،حتى أصبح حرفة قائمة بذاتها، وكثر عليها الطلب في الأسواق العالمية. بل وأكثر من ذلك اعتبره المؤرخون وعلماء الجيولوجيا مقياسا لدراسة ومعرفة الحقب الزمنية، والاستدلال به على الماضي. فقد استعمل في العصور الإسلامية لبناء المساجد، وزينيت به الجدران كالفسيفسياء الملونة والبيضاء. كما عثر على جرار وقلال في مختلف الاماكن الاثرية مما يدل على قدم هذه الحرفة.
الفخارفي الجزائر
يتميز الفخار الجزائري بتنوع اشكاله واحجامه ،وذلك يعود لاختلاف مناطقها وتعدد ثقافاتها ..ويمكن تمييز نوعين من الفخار في الجزائر وهما:
الفخار الريفي:
يتواجد بكثرة وبشكلٍ مُركّزٍ في الأرياف والقرى والمناطق الجبلية وتعتبر جيجل، المدية وبلاد القبائل..من اشهر المناطق التي يصنع فيها الفخار إضافة الى مدن جزائرية أخرى.
ويعد الفخار من الموروثات الفنية لكل منطقة، والتي غالبا ما تكون الطبيعة مركز الهامها ، فتقتبس اشكالها وديكوراتها من الرموز والإيحاءات القديمة. كما يظهر التنوُّع في مُنتجاتها، فنجد الجرار، والمزهريّات، وأواني الطعام، والأباريق. وممّا دعم بقاء واستمرار هذه الصناعة في القرى والقبائل، هو اعتماد المطبخ الجزائريِّ على الأواني الفخاريّة بشكلٍ كبيرٍ؛ حيث تُستعمل بشكلٍ أساسيٍّ للطاجين، وحفظ الزيت، وشرب الحليب..والزبدة ،وقلال الماء التي اثبت العلم أهمية تخزين الماء فيها لصحة الانسان.
الفخار المدني:
يختلف الفخار المدني عن النوع الريفي. اذ يعرف بكثرة استعماله في الديكور، كما يبدو تأثُّره الكبير بالفنِّ الإسلاميِّ واضحا عليه ،وذلك من خلال الخطوط العربيّة، وطرق التزيين، وكثرة استعمال الأزهار كنقوش ،والأشكال الهندسيّة وبعض الزخارف كمنحوتات عليه. وعادة ما تضاف الألوان الى هذا النوع من الفخار .
ماهي المادة الخام للفخار
تعتبر الطينة الحمراء طوبيّة اللون، المادة الأساسية في صنع الفخار، بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى التي تسهل من عملية تشكيل الطين . وقد يستخدم الفخار بلونه الطبيعيّ، وهو البنيُّ المائل إلى الأحمر، و تتم إضافة الصبغات والاكاسيد المعدنية لتغيير اللون. أو تُرسم عليه بعض الرسومات للزينة.
مع تطوُّر الآلات والأذواق ظهرت أنواعٌ جديدةٌ من الفخار في الجزائر؛ مثل: السيراميك الذي انتقلت صناعته إلى أوروبا في القرن الخامس عشر الميلاديّ، وفخار البوكراك الأسود أو الرمادي اللامع والأملس، واستمر التطوّر في صناعة الفخار في الجزائر بشكلٍ ملحوظٍ جداً، لما له من استعمالاتٍ كثيرةٍ.
اواني الفخار في الجزائر وارتباطها بشهر رمضان
نجد في الجزائر الاواني الفخارية في المحلات المختصة بالصناعات التقليدية، وفي المعارض السياحية. لكن اذا ابتعدت عن المدن الكبرى قليلا ،ستنبهر بمعارض رائعة تنتشر على جوانب الطرقات .ففي الهواء الطلق تتنوع الأواني المعروضة الى جانب بعض الصناعات التقليدية الأخرى. ويجدر التنويه الى ان الطلب على الاواني الفخارية يزيد في الجزائر عند اقتراب شهر رمضان المعظم، وهذا يكشف عن تمسك المجتمع الجزائري بعاداته وجذوره .كما ان الأشكال الجميلة التي صارت ترسم على الأواني الفخارية وزخرفاتها الملفتة للنظر ،تدعو العديد من ربات البيوت إلى اقتنائها، فمنهن من تقتني اكواب اللبن او قلال الماء او اطقم الطاولة المكونة من الصحون، او قدر فخاري لما يمنحه من نكهة خاصة للأكلات التقليدية. عموما تبقى للأواني الفخارية خاصية مميزة في إحياء العادات والتقاليد وفي إضفاء نكهة خاصة للطبخ.
تهافت على طواجين الفخار خلال شهر رمضان
لا يزال “طاجين الطين” الذي يستعمل لطبخ الكسرة بأنواعها الهوية المميزة للأرياف والقرى الجزائرية، إذ اعتادت النساء على استخدامه لصنع الخبز المنزلي المميز، خصوصا في شهر رمضان المعظم حيث لا تخلو مائدة جزائرية من خبز الكسرة او المطلوع المطهو على طاجين الفخار
..وحتى مع تطور الحياة واتساع مدنيتها، ظل هذا الطاجين محافظا على وجوده وظل يحمل عبق الريف الجزائري، وقد توارثت صناعته أبا عن جد.
صناعة الفخار مصدر رزق وامتداد لتقاليد الاجداد
ان صناعة الفخار من الصناعات التي مازالت مصدر رزق للكثير من العائلات خصوصا في القرى والارياف ،بل وتتعدى فكرة مصدر دخل .. اذ تعتبر مواصلة الابداع في صناعة الفخار بركة لا يعرفها سوى صانعيها ،وذلك للقيمة المعنوية التي يولونها له فهو ليس مصدر رزق فحسب ولكنه إرث حضاري وموروث شعبي يحمل كل معاني الثقافة الأصيلة،وامتداد للاجداد والاسلاف وتجسيد لهوية الشخصية الوطنية والتراث الحضاري.
فوائد الطهي علي الاواني الفخارية.
يستغرق الطهي على اواني الفخار وقتا اقل على النار ،مما يحفظ القيمة الغذائية للطعام. كما انه يحتفظ بدرجة حرارة المواد الغذائية .ويعتبر البخار المتصاعد منه خاليا من السموم وصديقا للبيئة.
عند فحص الماء الذي يتم تخزينه في الاواني البلاستيكية والزجاجية والنحاسية الى جانب الفخار، ظهر ان الفخار هو الوحيد الذي استطاع إعادة العناصر الحيوية للماء، ومقاومة البكتيريا الضارة، ما يؤهله لان يكون وعاء حفظ مثالي للماء الصالح للشرب والطهي.
يستخدم الماء الذي تم تخزينه في الفخار لعلاج امراض الكلى والحصوات بسبب صفائه وخلوه من الشوائب مما يسمح بتنظيف الجسم من السموم.
يظل الفخار صحيا ما لم يتم طلاؤه..فرغم ان عملية الطلاء تزيده جمالا لكنها تشكل اضرارا بالغة على صحة الانسان.
