من نعم الله تعالى ان يبلغنا رمضان
من اعظم نعم الله تعالى على عباده ان يبلغنا رمضان ،ومن واجبنا شكره تعالى على هذه النعمة التي حرم منها كل من غادرونا من هذه الحياة الفانية .ومن شكر الله بفعله او قوله او بقلبه فان الله كريم يزيد من فضله واحسانه وتوفيقه.
﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد﴾
سورة إبراهيم -7-
رمضان فرصة للمذنب ان يتوب وللمحسن ان يزيد احسانه
منذ أسابيع كنا ننتظر رمضان بقلوب عامرة بهجة بقدومه. فاستقام المخطئ ،والتزم المقصر ،وتاب المذنب والعاصي طمعا في رحمة الله في الشهر الذي جعله الله رحمة للناس. واحسن عباد الله الصالحين فصاموا النهار وقاموا الليل، وقرأوا القرآن، وتصدقوا وأحسنوا ، فلهم الأجر العظيم، والثواب الكبير في شهر يضاعف الله فيه الحسنات، ويكفر عن الخطايا. وعلى المحسنين المزيد من الاحسان لأنفسهم فيما تبقى من أيام رمضان المبارك كما في سائر الأيام. و أساء آخرون فأخلُّوا بالصيام، وتركوا القيام، وسهروا الليالي في الاكل والشرب والغيبة والنميمة، وإضاعة المال، وهجروا القرآن. فعليهم بالتوية والاقلاع عن ذنوبهم والتائب عن الذنب كمن لا ذنب له.
رحمة الله وسعت كل شيء
ان رحمة الله اكبر واعظم مما يخالها الانسان، ففضل الله عظيم واحسانه عميم، ورحمته وسعت كل شيء. فهو عزوجل يقبل التوبة ويعفو عن السيئات لمن تاب وأناب. ومن رحمة الله بعباده انه جعل سبحانه وتعالى العشر الأواخر من رمضان فرصة لمن أحسن في أول الشهر أن يزيد من حسن عمله، ولمن أساء أن يستدرك ما فاته؛ ويغتنم هذه الأيام العشر في الطاعات وما يقربه من الله تعالى.
خصائص العشر الاواخر من رمضان
ومن خصائص هذه العشر اجتهاد النبي – صلى الله عليه وسلم – في قيامها، والأعمال الصالحة فيها اجتهاداً عظيماً، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر ومعنى شد المئزر: أي شمر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء. وعنها رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.
وهذا الإحياء شامل لجميع أنواع العبادات: من صلاة، وقرآنٍ، وذكرٍ، ودعاء، وصدقة، وغيرها، ومما يدل على فضل العشر: إيقاظ الأهل للصلاة والذكر، ومن الحرمان العظيم أن ترى كثيراً من الناس يُضيِّعون الأوقات في الأسواق، وغيرها، ويسهرون فإذا جاء وقت القيام ناموا، وهذه خسارة عظيمة، فعلى المسلم الصادق أن يجتهد في هذه العشر المباركة، فلعله لا يدركها مرة أخرى فالموت تخطف كل حين، ولعله يجتهد فتصيبه نفحة من نفحات الله تعالى فيكون سعيداً في الدنيا والآخرة.
ومن خصائص هذه العشر الاعتكاف فيها، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ 187/البقرة. وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله.
والمقصود بالاعتكاف انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله تعالى في مسجد من مساجد الله طلباً لفضل ثواب الاعتكاف من الله تعالى، وطلباً لإدراك ليلة القدر، وله الخروج من معتكفه فيما لا بد منه: كقضاء الحاجة، والأكل والشرب إذا لم يُمكن ذلك في المسجد.
قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: “قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عني” الترميذي وصححه الالباني. فعلى العبد الصادق أن يجتهد في جميع ليالي العشر ويحصل عليها يقيناً لا شك فيه.
لقد نزل القران في العشر الأواخر من رمضان، في ليلة القدر المباركة ، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ 1 /سورة القدر. وقال عز وجل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ 3/ الدخان.
ومن فضائل العشر الاواخر العظيمة أن الله أنزل هذا النور المبين فأخرج به الانسان من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى نور العلم والإيمان، وهذا القرآن العظيم شفاءٌ وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين، وموعظة وشفاء لما في الصدور، ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ يونس -58-.
ومن خصائص العشر الأواخر، ليلة القدر، والعبادة في هذه الليلة خير من العبادة في ألف شهر، فالعبادة فيها خير وأفضل من العبادة في ثلاث وثمانين سنة وما يقرب من أربعة أشهر، وهذا فضل عظيم لمن وفقه الله تعالى. قال عز وجل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ سورة القدر.
فضل ليلة القدر
- انزل الله عزوجل القران الكريم الذي به هداية العباد وسعادتهم في الدنيا والآخرة في ليلة القدر المباركة ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾.
- في هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم ، أي يُفصل من اللوح المحفوظ ما هو كائن في السنة: من الأرزاق، والآجال، والخير والشر.
- ابان الله عظمة هذه الليلة المباركة من خلال ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم لهذه الليلة في قوله سبحانه: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾.
- أن هذه الليلة خير من ألف شهر.
- تتنزل الملائكة فيها، والروح وهو جبريل؛ لكثرة بركتها، وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة.
- ان هذه الليلة سلام حتى مطلع الفجر؛ لكثرة السلامة فيها من العقاب، والعذاب، بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل.
- ان من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه.
- أن من أدركها واجتهد فيها ابتغاء مرضاة الله فقد أدرك الخير كله، ومن حرمها فقد حُرِم الخير كله، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتحُ فيه أبواب الجنة، وتُغلقُ فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرِم”.رواه احمد والنسائي وصححه الالباني في صحيح النسائي. وعن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخير كله، ولا يحرَمُ خيرَها إلا محرومٌ “
- ان الله أنزل في فضلها سورة كاملة تُتلى إلى يوم القيامة: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾.
الحكمة من عدم تحديد ليلة القدر
وقد أخفى الله ليلة القدر رحمة بعباده؛ لأمور منها: زيادة حسناتهم إذا اجتهدوا في العبادة بأنواعها في هذه الليالي. واختباراً لعباده؛ ليتبين الصادق في طلبها من غيره؛ فإن من حرص على شيء جد في طلبه.
اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنك عفو تحب الحب فأعفو عنا.