اشكال غريبة ومقززة..انحراف في اعداد حلويات العيد
تتميز الأيام الأخيرة من شهر الشهر الفضيل بالاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك، اذ تشهد الأسواق إقبالا كبيرا لربات البيوت لشراء مختلف مستلزمات الحلويات، فبالرغم من ارتفاع أسعارها إلا أن حضور الحلويات على موائد الجزائريين أيام العيد يبقى تقليدا مقدسا لا سبيل للاستغناء عنه ، فعيد الفطر هو عيد الحلويات، كما يسميه البعض، إذ تتنافس فيه النساء لإثبات مواهبهن من خلال صنع تشكيلات متنوعة من الحلويات التقليدية التي تتنوع حسب تقاليد كل منطقة ، غير أن بعض الأنواع انحرفت وباتت سخرية وتنكيت واستهزاء بنعمة الله على مواقع التواصل، عن طريق تشويه هذه الحلويات بأشكال غريبة ومقززة لم يشهدها المجتمع من قبل .
تنافس على نشر الحلويات التقليدية على مواقع التواصل
وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بالوصفات التقليدية والحديثة التي يفضلها الجزائريون .فتجد من النساء يجعلن من الصفحات الفايسبوكية مرجعا لتعلم ما لا يجدن صنعه من أصناف الحلويات، ومنهن من تنشر ما تفننت في صنعه من حلويات ،لتتبعها أخريات بنشر حلويات في جو يشبه المنافسة، لإبراز مواهبهن و قدراتهن الإبداعية في تحضير أشهى وأبهى الأنواع.ويصنف هذا في خانة الايجابيات باعتباره حافزا للنساء على التنافس من أجل الإبداع.
حلويات على شكل جماجم ..أصابع الشيطان و ألعاب و حشرات !
و ما يلفت الانتباه في السنوات الأخيرة ،هو ظاهرة صنع أشكال غريبة من الحلويات الغير موجهة للاستهلاك بقدر ماهي موجهة للتنكيت وجذب الانتباه باستعمال أسلوب السخرية والتهكم ، لينتهي بها المطاف إلى أكياس القمامة.وهي ظاهرة غريبة، فالمعروف عنا كجزائريين أننا عشنا وكبرنا بين ذوينا نقدس نعمة الله فيما يتعلق بما نأكله ، فإذا سقطت من أيدينا قطعة خبز استحينا منها ورفعناها من الأرض لنطبع عليها قبلة تقديرا لنعمة الله. فماذا تغير فينا لتصبح حلويات العيد موضوعا لصنع الفرجة والتنكيت دون مراعاة قدسيتها ؟ودون اعتبار لمن لا يجد حتى قوت يومه؟
ومن بين الأشكال “الشاذة” والغريبة للحلويات التي صنعت جدلا على مواقع التواصل ، حلويات على شكل جماجم وأخرى تشبه لعبة الديمينو، والأغرب من ذلك حلويات على شكل دود وعناكب وأخرى تدعى “أصابع الشيطان” . كما عرفت حلويات “كورونا” حضورا قويا وهي ترتدي الكمامة، وغيرها من الأنواع الدخيلة على مجتمعنا .
السخرية .. وسيلة لإثبات الذات والتحرر من التقاليد
ولفهم هذه الظاهرة أكثر، اتصل موقع ياسمينات بالمختص الاجتماعي والأستاذ بجامعة بجاية الدكتور سعدي الهادي الذي أرجع الأمر إلى أزمة ثفافية يمر بها العالم الإسلامي منذ عصر النهضة بما فيها انفتاح الوطن العربي على الفكر الأوربي،” جعلت الفرد عالقا بين شكلين من الوجود والعيش ،حيث يتجه تارة إلى الشكل التقليدي الموروث الهش لأنه لا يملك دعائم لإثبات ذاته أمام تطورالحياة المعاصرة، وسيطرة ماهو موجود وشائع، والشكل الغربي الذي يتحكم من خلال الصورة والمعلومة بطريقة تؤثر في عقول الأفراد ورؤيتهم للحياة “.
وأضاف محدثنا ” هناك خلل في النموذج التقليدي الذي يفتقر إلى وسائل إثبات الذات فيجد الحلول الجاهزة في النموذج الغربي ، ما يجعله يهرب ليتحرر من قيود التقاليد فيكون عن طريق كسرها والتعدي عليها بأسلوب السخرية والاستهزاء .ليجد مساحة للاختلاف واثبات الذات والتميز ولو عن طريق السخرية والتنكيت .خصوصا وان أسلوب التنكيت يعد طريقة سهلة الانتشار بين الناس .، و ميدان الحلويات هو ميدان التقاليد الذي يمكن ان يسجل علامة للاختلاف والتميز لأنه يجمع العائلات و الأقارب ما يجعل التأثير سريعا ..”
نساء يتنافسن على الإبداع الغريب في عصر الصورة والسيلفي!
ويضيف الدكتور سعدي الهادي في تحليله لهذه الظاهرة “الفرد المطحون في نظامنا الثقافي و الديني و السياسي يحاول إثبات وجوده بكل الاشكال، و الوسائط الحديثة تعطيه هذه الفرصة خصوصا. فالمرأة التي سيطرت عليها التقاليد الراكدة وحصرت دورها في البيت و الأولاد، باتت تختلف عن الأمهات الشابات فهن جيل عصر الصورة و المعلومة فتكوينهم خاضع لمقاييس اللقطة و السلفي و الفوتوشوب، و يمكن أن يكون هناك نوع من التنافس بينهن على الإبداع الغريب و الفكرة العجيبة، تنافس لحظة و إظهار صورة قد يكون له أثر كبير على تربية الأبناء و مستوى التواصل معهم، و الحقيقة أن هذه من مخلفات المعركة بين الشكلين من الوجود المشار إليهما آنفا، و المشكلة كلها في تربية الجيل القادم الذي إن لم يجد في ثقافته الذاتية ما يجلب و يعجب ،سينساق لا محالة إلى هذا النوع من الحياة السطحية القائمة على الصورة السريعة و المعلومة العابرة التي غرق فيها أجيال من الشباب في الغرب ،و الذين سيواجهون مستقبل فاقد للمعنى و بدون أحلام وطموحات.
الظاهرة من الجانب السيكولوجي
يعتبر أسلوب التعبير الساخر وسيلة إضحاك وسلاح فعال لتوجيه النقد ومواجهة مع الواقع خصوصا اذا كان واقعا مؤلما، فيهرب الفرد من التعامل مع الواقع بجدية إلى أسلوب السخرية الذي يفيد في تقزيم وتخفيف ثقل هذا الواقع، وربما تفتح المجال لمواجهته وتغييره . نقول بلهجتنا الجزائرية “هم يبكي وهم يضحك”، أي شر البلية ما يضحك . لكن قد ينحرف هذا الأسلوب عن الطريق الصحيح لتصبح السخرية أداة تجريح وتخلي عن القيم والمبادئ، فمهما كان الإضحاك وسيلة لإخراج المكبوتات وتخفيف أثقال الواقع التي تستدعي الضرورة نقدها ،إلا انه لا يجب أن يكون مبررا للتعبير بأشكال جارحة تمس بنعم الله تعالى او بخلق من خلقه، فمن الضروري التعامل مع السخرية بأسلوب معقول ومسؤول هدفه الباطني هو النقد البناء لإعادة الأشياء إلى سياقها الطبيعي، أما إذا كانت غير ذلك فيجب نقد هذه السخرية إذا كانت تساهم في مضاعفة مرارة هذا الواقع، خاصّة عندما يتعلق الآمر بالقيم والمبادئ .
الإسلام يحرم التنكيت بنعمة الله
وقد سالت امرأة مفتيا -حسب ما ورد في موقع إسلام ويب- عن حكم إعطاء قطعة من عجين الخبز للطفل ليلعب بها . فكانت الإجابة بعدم جواز إفسادها ورميها في القمامة ، لما في ذلك من إهانة للنعمة وإهدار لها مع حاجة كثير من الناس إليها، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بحفظ النعم وإكرامها، وأرشد من سقط من لقمته شيء أن يميط عنه الأذى ويأكله ولا يدعه للشيطان، فماذا نقول إذا أسقطنا هذه الفتوى على من يصنعون أشكالا مقززة من الحلويات بهدف التهكم والتنكيت بينما هي في الحقيقة تجعل الإنسان يشمئز وينفر منها .